إنَّ بروز فكرة الاعتماد على الرأى كمصدر ثالث للتشريع فى عهد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله والسِنى الاولى من رحيله الى الرفيق الأعلى له أسبابه السياسية الخاصة المعروفة ، ولكن لِمَ أخذت الفكرة المذكورة بالاختمار أكثر حتى بلغت أوجها على يد إمام الحنفية النعمان بن الثابت؟ ذلك يعود الى المنع من تدوين سنَّة الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآله على يد الخلفاء واستمرارا على يد معاوية وحتى خلافة عمر بن عبدالعزيز الّذى حاول رفع الحصار حيث أمر ابن شهاب الزهرى بتدوين الحديث(١).
ويحدث الذهبى أنَّ الخليفة الأوَّل جمع الناس بعد وفاة النبى صلىاللهعليهوآله قائلاً : « إنّكم تُحدِّثون عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلاتحدثوا عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله شيئاً ، فمن سألكم ، فقولوا : بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحِلّوا حلاله وحرِّموا حرامه » (٢).
ويروى الذهبى أيضاً أنَّ الخليفة الثانى حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري ، قائلاً لهم : « أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله » (٣). وكان يقول أيضاً للصحابة : « اقلّوا الرواية عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلاّ فيما يعمل به » (٤).
وفى عهد الخليفة الثالث أعلن على المنبر : « لا يحلّ لأحد يروى حديثا لم يسمع
__________________
١ ـ طبقات ابن سعد : ٥ / ١٤٠ ؛ فتح الباري ، باب كتابة العلم : ١ / ٢١٨.
٢ ـ تذكرة الحفاظ : ١ / ٢ ـ ٣.
٣ ـ تذكرة الحفاظ : ١ / ٧.
٤ ـ تاريخ ابن كثير : ٨ / ١٠٧.