وإن كنت في ريب من ذلك فقس المقام بحال العبد الذي أمره المولى بإيجاد شيء له طريقان ، أو المشي إلى موضع لشغل له طريقان إحداهما أبعد من الأخرى ، فاختار العبد من غير غرض عقلائي سلوك الأبعد وأتى بالمأمور به ؛ فإنه لا إشكال في حكم العقلاء بكونه مطيعا وإن لغى باختيار الأبعد.
ودعوى : الفرق بين المقام والأوامر الصادرة من الموالي العرفيّة من حيث كونها توصّليّة صرفة بخلاف المقام.
فاسدة جدّا ؛ إذ لا فرق في التوصّلي والتعبّدي من حيث الإطاعة والامتثال ، وإن لم يكن حصول الإطاعة معتبرا في الصحّة في التوصّلي ، وإن كان معتبرا في استحقاق الأجر من الموالي والمدح من العقلاء على ما عرفت الإشارة إليه ، فخروج التوصّلي عن محلّ البحث إنّما هو من جهة أن الكلام في صحة العمل من المحتاط.
فقد تبيّن مما ذكرنا كلّه : عدم قادح لترك الطريقين والأخذ بالاحتياط مطلقا وإن تعيّن في حقّ العامي الغير القاطع بما ذكرنا إذا أراد الاحتياط الرجوع إلى الفقيه المفتي بذلك ، وإلاّ فلا يجوز له الأخذ به من حيث استقلاله بوجوب الأخذ بما يعلم اعتباره وحرمة الأخذ بما يشكّ في اعتباره كما هو ظاهر.
كما أنه قد ظهر منه : جواز العمل بانيا على الفحص بعد الفراغ ، فإن طابق الواقع اقتصر عليه وإلاّ أعاده ، كما أن الأولى بالجواز ما لو أتمّ العمل بهذا العنوان إذا حصل ما يوجب التردّد في الصحة والفساد في الأثناء.