لزوم الاقتصار في تقييد الإطلاقات على القدر الثابت ـ هو ما أشار إليه شيخنا قدسسره : من لزوم تعطيل استعلام حكم سائر المسائل على تقدير عدم كفايته ، مع أنه لا طريق له أصلا ؛ إذ احتمال وجوده فيما ليس بأيدينا من الكتب لا يرفعه شيء ، فكيف يمكن تحصيل العلم بالعدم مع هذا الاحتمال؟
والاحتياط الكلّي موجب للحرج يقينا ، والرجوع إلى من يدّعي العلم في المسألة لا معنى له أصلا في حقّ من له ملكة الاستنباط ، مضافا إلى أن الكلام في حكم المسألة من حيث هي فيفرض سدّ باب العلم في حقّ جميع المجتهدين.
وبالجملة : لا معنى لأن يكون الحكم في حق مجتهد الرجوع إلى غيره ، إلاّ إذا كان فتواه بمنزلة الرواية لهذا المجتهد من حيث العلم بكونه في الفتوى مقتصرا على نقل متون الأخبار بحيث لا يتجاوز عنه أصلا ، فيكون فتواه حينئذ من نقل الحديث ولو بالمعنى كما هو رسالة الشيخ علي بن بابويه (١).
وأمّا ما ذكره بعض المشايخ من المتأخّرين (٢) : من أن سيرة المجتهدين جرت في أوائل أمرهم على التقليد من جهة فقد أسباب للاجتهاد لهم في المسائل (٣) ، فهو في حيّز المنع ؛ إذ لم يعلم من أحد منهم ذلك ، فضلا عن
__________________
(١) الصّدوق الأوّل علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المتوفي سنة ٣٢٩ ه.
(٢) الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨ ه.
(٣) لم نعثر عليه عجالة.