وجوب الحج بأصالة عدم الدّين والبراءة عنه فلا بدّ أوّلا : من إثبات الاستطاعة ثم وجوب الحج ، وهو ما ذكر : من كونه من القسم الثاني ، ويلحق به ما لو كان الشكّ في وجوب الحج على من كان له مال يكفيه للحج مسبّبا من الشكّ في موانع أخر غير الدّين ؛ فإنه لا يترتّب ابتداء على عدم الموانع ، بل إنّما يترتّب عليه بعد إثبات موضوع الاستطاعة بنفيها ولو بالأصل هذا.
ولكنك خبير بفساد التوهّم المذكور ، ووضوح الفرق بين النظائر والمقام ؛ فإنه إذا فرض كون الشكّ في وجوب الحج بعد وجدان المقدار الوافي من المال مسبّبا عن الشك في الدّين لم يكن معنى لحكم الشارع بعدم الالتفات إلى احتمال الدّين ، لا جعل وجوب الحجّ على المكلّف ولو في مرحلة الظاهر. وهكذا إذا كان وجوبه مسبّبا عن احتمال موانع أخر غير الدّين ؛ فإنه لا معنى لعدم الاعتناء باحتمالها إلاّ البناء على وجوب الحجّ.
فالمقام نظير ما لو كان الشكّ في بقاء الطهارة في المتطهّر مسبّبا عن وجود الرافع لها أو كان بقاء التغيير في الماء مسبّبا عن احتمال الرّافع الشرعيّ له وهكذا ؛ فإنه لا معنى لحكم الشارع بعدم الاعتناء باحتمال الرّافع للطهارة أو التغيّر ، إلاّ البناء على ترتيب أحكامهما عند الشكّ ؛ فإنّه في معنى الحكم ببقاء الطهارة أو التغيّر شرعا باستصحابهما ، بل قد يقال بعدم جريان الاستصحاب الوجودي في أمثال المقام ؛ من حيث كون الشكّ في مستصحبه مسبّبا عن الشكّ في مستصحب الاستصحاب العدمي ، وإن قيل بتعيّن جريان الاستصحاب الوجودي ؛ نظرا إلى ما