ومن هنا أطبق الأصوليّون على عدم تطرّق النّسخ في الأحكام العقليّة ؛ من حيث إنّ وجود العلّة الّتي هي الموضوع في حكمه لا ينفكّ عن الحكم ، والمفروض : أنّه ليس له قضيّة لفظيّة يتوهّم الاستمرار الظّاهري فيها كما في القضايا الشّرعيّة ، ولأجل ما ذكر أوردوا على من ذهب إلى كون الحسن والقبح ذاتيّين في جميع الأفعال : بأنّهما لو كانا ذاتيّين لما وقع النّسخ في الشّريعة. وإن أجابوا عنه بما لا ينافي ما ذكرنا ، وليس هنا محلّ ذكره ، ومن أراده فليراجع إلى ما كتبناه في التّحسين والتّقبيح مفصّلا.
فإن قلت : كيف ينكر حكم العقل بشيء مع عدم إحرازه جميع ما يعتبر فيه من الأعدام والوجودات من حيث المدخليّة؟ مع أنّه يرى بالوجدان والعيان حكمه بشيء على سبيل الاستقلال مع عدم إحاطته بما ذكر في مورد يقطع بتحقّق جميع ما له دخل في تحقّق الشّيء إجمالا على فرض المدخليّة ، وإن لم يعلم أصل المدخليّة.
وهذا معنى تمسّكهم كثيرا بقاعدة الاشتغال وتحصيل القطع بالبراءة في دوران الأمر بين التّخيير والتّعيين كثيرا في الأحكام العقليّة في الأصول والفروع ، فما ذكرته : من أنّه لا بدّ في حكم العقل أن يحرز مدخليّة عدم ما شكّ في رافعيّته في زمان الحكم لا وجه له ، لم لا يحكم به من جهة العلم إجمالا بوجود ما له دخل في الحكم بحسب الواقع : بأن يقطع بعدم ما شكّ في رافعيّته في زمان الحكم؟
قلت : أوّلا : إنّ ما ذكرته من إمكان الشّك للحاكم في أنّ أيّ شيء له مدخل في حكمه وإن علم إجمالا بتحقّق ما له دخل فيه في الواقع في زمان الحكم مع عدم علمه بأنّه أيّ شيء؟ وكيف هو؟ غير معقول بالنّسبة إلى نفس الحاكم ؛ لأنّ