أقول : أراد بذلك أنّه بعد العلم التّفصيلي بالمناط يصرف الحكم إليه فيصير هو الموضوع والمعروض لحكم الشّرع أيضا. فإذا شكّ في بقائه فيرجع الشّك فيه إلى الشّك في الموضوع المانع من تحقّق موضوع الاستصحاب ، كما لو قال :حرمت الخمر لكونه مسكرا ، فيعلم منه : أنّ معروض الحرمة هو نفس عنوان المسكر ، ولكنّه لمّا كان متصادقا مع الخمريّة حكم بحرمة الخمر هذا.
ولكنّك خبير بضعف ما ذكره « دام ظلّه » ؛ فإنّا لا نعقل الفرق بين العلم التّفصيلي بالمناط والموضوع الأوّلي المعلّق عليه الحكم عند العقل والعلم الإجمالي ، كما في صورة عدم تصريحه بالعلّة وعدم العلم التّفصيلي بها من الخارج أيضا ؛ فإنّ العقل إن استقلّ : بأنّ الموضوع في القضيّة الشّرعيّة لا بدّ أن يكون هو المناط الأوّلي فيبطل بناء عليه التّفصيل المتقدّم المبنيّ على إنكار هذا ، ولم يفرّق بين العلم التّفصيلي المناط والعلم الإجمالي به كما لا يخفى. وإن لم يستقلّ بذلك ، بل جوّز كون الموضوع في القضيّة الشّرعيّة غير المناط الأوّلي كما هو الحقّ المشاهد بالوجدان فلا معنى لصرف الحكم عنه بعد العلم بالمناط وهذا أمر لا سترة فيه عند ذوي الأفهام المستقيمة هذا.
__________________
لا يخفى » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الاصول : ٣٢٥.
* وقال المحقّق الخراساني قدسسره :
« قد عرفت بما لا مزيد عليه : انّ ما علّق عليه حكم العقل من المناط والعنوان ، فانّما هو مناط كشف الحكم الشّرعي عندنا ، وأمّا مناطه عند الشّارع فيمكن بقاؤه الآن على ما كان ، فظهر انّ الإستصحاب انّما لا يجري في الأحكام العقليّة ، وأمّا الشّرعيّة المستندة إليها فحالها حال سائر الأحكام ، ولا وجه للتفصيل بينها بحسب الدليل » إنتهى.
انظر درر الفوائد : ٣٠٠.