العقليّة بقول مطلق ، ولكنّه خلاف الظّاهر من كلامهم ؛ فإنّ الظّاهر منه إرادتهم استصحاب نفس ما ثبت بالعقل لا ما حكم العقل به في زمان وإن زال مناط حكمه بعده لكن كان الحكم باقيا من جهة الشّرع وهو العالم.
(٢٩) قوله : ( وما ذكره من الأمثلة يظهر الحال فيها ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٤٠ )
أقول : وجه الظّهور : أنّ جميع الأمثلة الّتي ذكرها غير البراءة الأصليّة الّتي عرفت حالها لا يمكن وقوع الشّك فيها أصلا ؛ فإنّ حكم العقل بقبح التّصرف في مال الغير ، أو حسن ردّ الوديعة الكاشف عن حكم الشّرع بالحرمة والوجوب ، لا يمكن أن يكون على سبيل الإهمال. فبالنّسبة إلى الخوف والاضطرار : إمّا أن يكون لا بشرط ، أو بشرط شيء. وعلى كلّ تقدير لا يمكن فرض الشّك فيه أصلا.
وكذا حكمه بشرطيّة العلم بالنّسبة إلى حالتي الإجمال والتّفصيل لا يعقل فرض الشّك فيه. فكيف يجوز للحاكم أن يحكم في مورد لا يعلم بما هو الموضوع لحكمه وإلاّ لم يكن حاكما؟
ومن هنا ذكرنا وذكروا : أنّ الموضوع من الوجدانيّات للحاكم. وهكذا الكلام بالنّسبة إلى حكمه بعدم الشّيء من جهة عدم موضوعه لا يتصوّر فيه شكّ ، فتكثير الأمثلة والتّقسيم لا يجدي في شيء أصلا كما لا يخفى.
وبالجملة : لو قيل بجريان الاستصحاب في الحكم الشّرعي المستند إلى القضيّة العقليّة فلا بدّ من أن يفرض هناك شكّ ، وقد عرفت : عدم وقوع الشّك في الأمثلة المذكورة أصلا بالنّظر إلى الموضوع الكلّي ، وإنّما قيل بتصوّره بالنّسبة إلى الموضوع الخارجي الجزئي. وسيجيء الكلام فيه في تنبيهات المسألة إن شاء الله تعالى.