أصلا. وبعبارة أخرى : قد يكون واسطة في الثّبوت ، وقد يكون واسطة في الإثبات محضا ، بمعنى : أنّه لا يكون مؤثّرا في الثّبوت أصلا ؛ حيث إنّ كلّ ما يكون واسطة في الثّبوت يكون واسطة في الإثبات أيضا ، بمعنى : أنّ العلم به يستلزم العلم بالمثبت ، ولكن لا عكس ؛ إذ ربّما يكون الشّيء واسطة في الإثبات ولا يكون واسطة في الثّبوت ، كأكثر وسائط معلوماتنا. والثّاني يسمّى بالدّليل الإنّي ، والأوّل يسمّى بالدّليل اللّمي إن لوحظ من حيث التّوسّط في الإثبات ، وإلاّ فلا يسمّى دليلا. وبهذه الملاحظة جعله الأستاذ العلاّمة مقابلا للدّليل ؛ حيث إنّ جهة تأثيره في الوجود ليست من جهة الدّليليّة ؛ حيث إنّ معنى الدّليل : هو الواسطة في العلم.
فإذا عرفت معنى المقتضي وإطلاقاته ، فنقول :
إنّه لا يخلو : إمّا أن يريد المستدلّ من قوله : ( المقتضي للحكم الأوّل ثابت ) (١) هو العلّة التّامّة ، أو السّبب الأصولي. وعلى كلّ تقدير : إمّا أن يريد من ثبوته هو الثّبوت في الزّمان الأوّل ، أو الثّبوت في الزّمان الثّاني.
فإن كان المقصود منه : هو العلّة التّامّة سواء كانت علّة لأصل الشّيء ، أو للعلم به ، فلا بدّ من أن يكون مراده من ثبوتها هو الثّبوت في الزّمان الأوّل ؛ ضرورة أنّ ثبوتها في الزّمان الثّاني لا يجامع الاستصحاب واحتمال وجود الرّافع كما هو المفروض في كلامه.
وحينئذ يرد عليه : أنّ مجرّد وجود العلّة في زمان لا يقتضي بوجود المعلول في جميع الأزمنة ، وليس هنا دليل على وجوب البناء على وجود المعلول فيما
__________________
(١) المعارج : ٢٠٦ ، عنه فرائد الأصول : ٣ / ٨٣.