__________________
الظنّ بمجرّد ملاحظة بعض الأفراد بثبوت الحكم أو الوصف للكلي الجامع من دون حاجة إلى توسيط الظنّ بكون أغلب الأفراد مثل البعض الذي وجدنا على الصفّة المذكورة فالإستقراء أعمّ من الغلبة مطلقا وكلاهما مشتركان في الحكم على الكلّي بالجزئي.
وأمّا القياس فهو عبارة عن إثبات حكم جزئي لجزئي آخر بسبب مشاركته إيّاه في علّة حكمه وقد يقال له التشبيه والتمثيل والمناسبة لمشابهة الفرع بالأصل ومماثلته إيّاه ومناسبة ثبوت هذا الحكم له في نظر القائس وذلك كالنبيذ يقاس على الخمر فيقال : إنّه خمر في كونه مسكر فهو حرام لوجود علّة حرمة الخمر الّتي هي الإسكار فيه ومشاركته لها في تلك العلّة وكالذّرة فيقال : إنّها ربوية لكونها كالبرّ في كونها مكيلة وقوتا.
وبالجملة : القياس هو الحكم من جزئي على جزئي من دون توسّط الجامع الكلّي وإثبات الحكم له أوّلا ثمّ إثباته للفرد المشكوك فيه بواسطته فلا يقال : البرّ طعام وكلّ طعام ربوي فالذّرة أيضا طعام فلا بدّ أن تكون ربويّة وليس إثبات الرّبويّة في كلّ الطعام لينتقل منه إلى حكم الذّرة بل المراد إثبات الرّبوبيّة فيها لوجود علّة ربويّة البرّ فيها وهي كونه مكيلا مثلا في نظر القائس وإن ثبت عدم الرّبويّة في جملة من أفراد المكيل بدليل آخر ولا يلزم على هذا ملاحظة أكثر الأفراد فيه ، فالفرق بينه وبين الغلبة والإستقراء هو كون الإنتقال فيهما إلى حكم الكلّي من ملاحظة جزئيّاته أوّلا ثمّ الحكم للفرد المشكوك فيه بخلاف القياس لأن الحكم فيه إنّما هو لجزئي بملاحظة جزئي آخر معلوم الحكم بمجرّد كونهما متحدين في العلة مع أنّ العلّة الجامعة بينهما يجوز أن تكون أمرا اعتباريّا جعليّا بخلاف الغلبة والاستقراء ؛ لأنّ الجامع المظنون العلية فيهما لا بد أن يكون واقعيّا إذ لا بد فيهما من حصول التتبع والاستقراء في جزئيّات الكلي الواقعي كأفراد الحبشي على ما تقدم.
فمن هنا يظهر : أنه لو لم يكن في الأفراد المستقرأ فيها جامع حقيقي يظنّ كونه علة للحكم بأن كان الجامع أمرا اعتباريا جعليّا وإن حصل الظنّ منه بكونه علّة لثبوت الحكم كان ذلك