لأنّا نقول : ما دلّ على حرمة العمل بغير العلم لا يصلح ردعا في المقام ؛ لأنّا قد حقّقنا في محلّه : أنّه لم يدلّ دليل من العقل ولا من النّقل على ثبوت الحرمة الذّاتيّة للعمل بما وراء العلم وإنّما الّذي ثبت من الدّليل هو الحرمة التّشريعيّة أو طرح الأصل أو الواقع.
ومن المعلوم أنّ قبح التّشريع ثابت عند العقلاء مطلقا من غير فرق بين الأحكام الشّرعيّة وغيرها ؛ لأنّ التّشريع والافتراء على المولى قبيح مطلقا والأصول معتبرة عندهم أيضا كذلك ، فإذا كان بناؤهم مع ذلك على سلوك طريق والالتزام به فيكشف ذلك عن عدم ثبوت الحرمة من الجهتين فيه.
وأمّا حرمته من حيث طرح الواقع فغير لازمة في المقام ؛ حيث إنّ الاستصحاب مشروط بالعجز عن تحصيل العلم في الشّبهة الحكميّة ولا محذور لطرح الواقع أحيانا من العمل بالأصل أو الأمارة في الشّبهات الموضوعيّة هذا. وقد ذكرنا تفصيل الكلام في المقام من النّقض والإبرام فيما علّقناه على « رسالة حجيّة الظّن » من أراده فليراجعه هذا.
وقد كان الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) في مجلس البحث بانيا على كون الوجه في اعتبار بناء العقلاء بقول مطلق هو التّقرير نظير سيرة المتشرّعة.
والفرق بين ما ذكره وما ذكرنا لا يكاد يخفى على المتأمّل ؛ حيث إنّ الوجه في اعتبار بناء العقلاء بناء على ما ذكره : هو كشفه عن السّنة ، وبناء على ما ذكرنا : هو كشفه عن حكم العقل. غاية الأمر : أنّ الرّدع من الشّارع على ما اخترناه رافع لموضوع ما بنوا عليه ، وما ذكرنا وإن لم ينفك عن الإمضاء والتّقرير من الشّارع