وبالنّسبة إلى ما انتفى عنه القيد لا معنى للثّبوت أصلا ، كما لا يخفى.
فتبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّه لا يقع الشّك في الحكم التّكليفي من حيث هو هو ، مع قطع النّظر عن تسبّبه عن الشّك في الحكم الوضعي بالمعنى الّذي ذكره ، ولا في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف. وهو المراد بقوله : ( فإذا جعل الشّارع ... إلى آخره ) (١).
فالمراد من الحكم الوضعي الّذي قال بعدم اعتبار الاستصحاب فيه : هو الوضعي بالمعنى المعروف ، والّذي أثبته فيه هو الحكم الوضعي الّذي جرى اصطلاحه عليه ، فلا يكون بين كلماته تناقض حسب ما ربّما يسبق منها في باديء النّظر ، إلاّ أنّه قد يأبى عنه قوله أخيرا : « وكذلك الشّرط والمانع » (٢) فتأمّل.
نعم ، قد يتصوّر الشّك في الحكم التّكليفي بسبب الشّك في الحكم الوضعي ، فلا بدّ أن يجري الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم الوضعي على ما عرفت تحقيقه سابقا وستعرف إن شاء الله ، فلمّا لم يكن الشّك الّذي ينفع في باب الاستصحاب إلاّ فيما ذكره من الأحكام الوضعيّة الرّاجعة إلى الموضوعات الخارجيّة ؛ ضرورة أنّ وجود موضوع في زمان لا يلازم وجوده في زمان آخر ، خصّ مورد الإخبار به.
نعم ، لو لم يرد إخبار بعدم جواز نقض اليقين بالشّك لما عمل بالاستصحاب فيها أيضا هذا محصّل كلامه ، وملخّص مرامه.
وقد عرفت من كلامه صريحا : أنّ مراده من الحكم الوضعي الّذي يجري
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ١٢٣.
(٢) المصدر السابق بالذات.