__________________
إلى غيره كما في الكنايات ، أو ليكون حجّة في البين ما لم يقم قرينة على خلافه كما في العمومات على أقوى الوجهين ، إذا الظّاهر انّ المستعمل فيها في ضرب القاعدة هو العموم ، ولذا كان العامّ حجّة في تمام الباقي بعد التّخصيص مع أنّه ليس غالبا بمراد عن جدّ.
ومن المعلوم أنّه مع العلم بها أو الظّنّ يعلم أو يظنّ بإرادة المعنى وإلاّ فلا علم ولا ظنّ كما لا يخفى ، وأين هذا من حصول الدّلالة له بمجرّد الوضع ، كما هو المدّعي. نعم لنفس الوضع دخل عقلا في ذلك لتوقّف العلم بهذه المقدّمات أو الظّنّ ببعضها عليه ، وإلاّ لم يكن علم ولا ظنّ بها كما لا يخفى ، ودخله في حصول المقدّمات الّتي يستحيل تخلّفه عقلا عن الدّلالة والعلم بالإرادة ، غير حصول الدّلالة بمجرّده ، مع انّ هذا في الدّلالة على ما وضع له بما هو كذلك وإلاّ فلا دخل له في الدّلالة على المعنى بما هو معنى اصلا لوضوح تحقّقها في الغلط والمجاز كما لا يخفي. وأمّا الدّلالة بمعنى مجرّد إخطار المعنى وتصوّره من إحساس الدّال بالسّمع أو البصر أو غيرهما ، فهي أيضا ناشئة عقلا من العلم بالوضع والالتفات إليه ، وقد عرفت انّ دخل الوضع في تحقّق ما هو سبب عقلا غير كونها بسببه ، مع أنّ دخله فيه إنّما هو في الدّلالة عليه بما هو موضوع له ، وأمّا بما هو معنى ، فالدّلالة عليه غير متوقّفة عليه ، بل يكون مع الجزم بعد الوضع له أو الشّكّ ، بل يحصل بمجرّد إحساسه مع الإلتفات إليه مطلقا ، لأنّه أمر نسبيّ لا بدّ في الإلتفات إليه من الالتفات إلى طرفيه من غير تفاوت بين إثباته ونفيه ، والتّردّد بينهما كما لا يخفى.
وبالجملة : قد ظهر أنّ دخل الإنشاء والجعل وضعا وتشريعا بحكم العقل في وجود سبب التّكليف وداعيه ، أو في تحقّق الدّلالة بكلا معنييها غير حصول المنشأ من السّببيّة أو الدّلالة أو نحوهما بمجرّد ذلك الإنشاء والجعل كما هو المدّعي ، وبذلك يمكن التّصالح بين الأعلام بأن يكون المنكر في المقام ينكر هذا والمثبت يثبت ذاك ، فلا نزاع في الحقيقة بينهم ولا كلام ، وعليك بالتأمّل التّام فانّه من مزالّ الأقدام.