__________________
ومجرّد كون النفع للمجتهد وعدم انتفاع المقلّد ليس مناطا في ذلك من حيث هو هو.نعم ، لا ينفع العلم بأحوال الدليل إلاّ للمستدلّ ، فالذي لا يقدر على الإستدلال لا يحتاج إلى معرفة أحوال الدليل ، فالميزان كون المسألة أصوليّة إنّما هو كون البحث فيها عن العوارض الذاتيّة ولا ينفع كون العلم بها وظيفة المجتهد ؛ فإنّ المجتهد لا يحتاج في استنباطه إلى معرفة أمور ليس شيء منها من الأصول ، فليس إختصاص المجتهد بالإحتياج إلى العلم بشيء ميزانا لكون المسألة أصوليّة ، نعم بعد إحراز عدم كون المسألة من غير الأصول والفقه ودوران الأمر بين الفنّين فلهذا وجه ، مع ان كثيرا من القواعد الفقهيّة أيضا ممّا لا ينتفع به غير المجتهد كمسائل القضاء.
وظهر ممّا حقّقنا ما فيما أفاده الأستاذ قدسسره حيث قال بعد ما مرّ : ( نعم يشكل كون الإستصحاب في المسائل من المسائل الفرعيّة ... إلى قوله : ولا حظّ لغيره فيها ).
فإن إختصاص المجتهد بالإجراء لا ينافي كونه من الفقه كما هو الحال في كثير من القواعد الفقهيّة مع انّ إجراء الأصل بناء على هذا ليس إلاّ تطبيق الكلّي على الفرد وهو ليس إلاّ الأخذ بالوظيفة الشرعيّة ولا فرق فيه بين المجتهد والمقلّد ، غاية الأمر : انّ المقلّد لا يستقلّ بإحراز الموضوع وهذا لا ينافي إستقلاله باجراء الأصل مع انّ هذا ليس من الإستنباط في شيء فتعليل اختصاص المجتهد به بأنّ المسائل الأصوليّة مهّدت للإجتهاد والإستنباط فاختصّ به المجتهد لا معنى له ؛ حيث إنّ الإختصاص في المقام على تقدير تسليمه ليس من هذه الجهة ؛ فإنّ العمل بالأصل إنّما هو مع فقد الدليل فحيث لا إجتهاد ولا إستنباط يعمل بالأصل ، وبالجملة فالأصل ليس إلاّ وظيفة الجاهل والمجتهد إنما ينوب عن المقلّد في إحراز الجهل وعدم الدليل ويشتركان في الوظيفة ، وهذا ليس من حيث انّه ممهّد للإستنباط ، بل إنّما هو وظيفة لغير المستنبط الجاهل بالحكم ، ولمّا اختصّ المجتهد بالإستنباط فالعلم إختصّ بمعرفة عدم الدليل ، وأين هذا من كون الحكم ممهّدا للإستنباط؟! ) إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ٧٨ ـ ٨٠.