الحكم الوضعي لو كان محتاجا إلى الجعل ومتوقّفا عليه لم يعقل الفرق فيه بين كون الحاكم به الشّرع أو غيره.
كما أنّ الحكم التّكليفي الّذي قضت كلمتهم بافتقاره إلى الجعل ـ حسب ما عرفت نفي الخلاف فيه في الأمر السّادس ـ لا يعقل الفرق فيه بين كون الحاكم به الشّرع أو غيره ، ونحن نرى بالوجدان صحّة انتزاع سببيّة المجيء لوجوب الإكرام لو قلنا لعبدنا : إن جاءك زيد فأكرمه ، مع فرض أنّه لم يوجد في أنفسنا إلاّ إنشاء الحكم التّكليفي وهو وجوب الإكرام عند المجيء ليس إلاّ ، ولو فرضت نفسك حاكما لصدقت ما ذكرنا ، هذا مجمل القول في وجه عدم الاحتياج إلى الجعل.
وأمّا الدّليل على عدم معقوليّة الجعل بالنّسبة إلى الحكم الوضعي فهو ممّا لا يحتاج إلى البيان بعد ملاحظة ما ذكرنا في وجه عدم الاحتياج ، وما ذكرنا في المقدّمات ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ الوجه في عدم احتياجه إلى الجعل كونه اعتباريّا ومنتزعا عن الحكم التّكليفي ، وقد عرفت في المقدّمات : أنّ الموجود الاعتباري لا يمكن وجوده في الخارج ، وإنّما يكون باعتبار المعتبر وانتزاعه بحيث لو لم يعتبره لم يكن شيء أصلا والحكم الّذي يوجد من الحاكم إنّما هو من الموجودات الخارجيّة حسب ما عرفت سابقا ، فكيف يمكن أن يوجد بالاعتبار؟ ضرورة تباين الوجودين وتنافي الاقتضاءين.
فإن قلت : إنّ الّذي سلّمنا في المقام الأوّل هو صحّة اعتبار الحكم الوضعي في الجملة لا دائما ، فلم لا يكون لوجوده علّتان يوجد إحداهما في بعض المقامات والأخرى في بعض الآخر؟