قلت : ما ذكرته لا يصدر عن جاهل فضلا عن العالم ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ الموجود الاعتباري لا يقبل الوجود الخارجي بالنّظر إلى ذاته وماهيّته ، فكيف يمكن تخلّف مقتضى الذّات عنها؟ فالالتزام بما ذكرنا في بعض الموارد يستلزم الالتزام به في جميع المقامات ، فحينئذ لو لم يصدر من الشّارع بالنّسبة إلى الحكم الوضعي شيء أصلا فلا كلام ، وإن صدر منه بالنّسبة إليه ما ظاهره تعلّق الجعل به كقوله : جعلت الشّيء الفلاني سببا ، أو من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، أو جعلت فلانا حاكما إلى غير ذلك ، فلا بدّ من صرفه عن ظاهره وجعله إخبارا عن جعل الحكم التّكليفي ؛ حيث إنّ احتياجه إلى الجعل ممّا لا خلاف فيه حسب ما عرفت ، هذا مجمل القول في الحكم الوضعي على تقدير التّخصيص بالثّلاثة أو الأربعة.
وأمّا على تقدير التّعميم والتّعدّي عنها إلى غيرها من المراتب الّتي عرفتها فمجمل القول فيه بناء عليه : أنّه إن جعلنا سائر الأحكام الوضعيّة كالأربعة من الأمور الاعتباريّة الانتزاعيّة كما ربّما يظهر من الشّهيد ؛ حيث إنّه فسّر الملكيّة ـ في جملة كلام له ـ : بأنّها ممّا يجوز الانتفاع بالملك ، والنّجاسة : بأنّها عبارة عن وجوب الاجتناب ، فحالها حال ما عرفت. وقد علمت استحالة تعلّق الجعل بالأمور الاعتباريّة.
وإن جعلناها من الأمور الواقعيّة الموجودة في الذّوات أو الأفعال بأن يقال : إنّ الملكيّة كالزّوجيّة مثلا علقة واقعيّة بين الملك والمالك ، والزّوج والزّوجة ، وكذلك الطّهارة والنّجاسة حالتان في الطّاهر والنّجس إلى غير ذلك ، فلا إشكال أيضا في استحالة تعلّق الجعل الشرعي على ما هو محلّ الكلام.