وأنت بعد التأمّل فيما ذكرنا من الأمور وما ذكرنا في دليل المختار تعلم بفساد هذه الوجوه :
أمّا الأوّل : فلأنّك قد عرفت : أنّ الّذي يحتاج إليه القائل بعدم الجعل هو وجود الحكم التّكليفي المتعلّق بالمكلّف ولو معلّقا ؛ فإنّه إذا قال الشّارع : ( يجب على كلّ بالغ عاقل غرامة ما أتلفه في حال صغره وجنونه ) ينتزع منه سببيّة الإتلاف للغرامة كما لو قال للمكلّف : ( أغرم ما أتلفته ) من غير فرق بينهما في الصّلاحيّة لانتزاع السّببيّة منهما أصلا ؛ فإنّ وجوب الغرامة المتعلّق بالإتلاف حال الصّغر كوجوبها المتعلّق بالإتلاف حال الكبر فيستفاد من كلّ منهما سببيّة الإتلاف.
على أنّه يمكن فرض وجود خطاب وتكليف في حال الصّغر أيضا لكن لا بالنّسبة إلى الصّبي ، بل بالنّسبة إلى وليّه ، ولا ريب في اكتفاء هذا المقدار أيضا : ضرورة أنّ الّذي يقتضيه قضيّة التبعيّة هو وجود حكم تكليفي يصلح لانتزاع الحكم الوضعي منه سواء كان متعلّقا بنفس الفاعل أو بغيره. ولا إشكال في صلاحيّة التّكليف المتوجّه إلى الوليّ بغرامة ما أتلفه الصّبي لانتزاع سببيّة إتلافه لوجوب غرامة الوليّ كما هو واضح.
__________________
الآخر.
فظهر : ان البرهان والوجدان يشهدان على ان الإنتزاع لا معنى له.
وأمّا دعوى : ان قول الشارع دلوك الشمس سبب إخبار لا جعل.
فمن الغرائب ؛ ضرورة أنّ الوجوب حينئذ لا يحتاج إلى تصرّف آخر ، بل يكفي في تحقّقه جعل الوقت سببا له ، وإن أبيت إلاّ عن توقّف الأحكام على الإنشاء فليفرض هذا الكلام خبرا في مقام الإنشاء » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.