أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام ؛ لأنّ الأسباب على كلّ تقدير يكون من الأمور الواقعيّة الّتي لا دخل لها بجعل الشّارع ، بل ولا ببيانه وكشفه كما هو واضح عند ذوي الأفهام المستقيمة ، وكأنه جرى من القلم سهوا وإلاّ فلا بدّ أن يقال : مكان ( الأسباب ) ( سببيّتها ) ويمكن أن يجعل المراد منها تلك أيضا : بأن يجعل المقصود من الأسباب الوصف القائم بها لا ذواتها فتأمّل ، وعلى كلّ تقدير لا إشكال في كون المراد ما ذكرنا.
ثمّ إنّه لا إشكال فيما ذكره من أنّه إذا كانت المسبّبات أمورا واقعيّة ، فلا بدّ أن يكون سببيّة الأسباب لها أيضا من الأمور الواقعيّة ، كما أنّها إذا كانت من الأمور الاعتباريّة ، لا بدّ أن يكون سببيّة أسبابها أيضا من الأمور الاعتباريّة ؛ ضرورة استحالة تأثير الأمر الجعلي الشّرعي في الأمر الواقعي لقضيّة التّباين بين الوجودين.
__________________
والغائط للحدث الأصغر ، والوطي وخروج دم الحيض ومسّ الميّت للأكبر وكونها فيها بجعل الشارع ممّا لا ينكره إلاّ المكابر ، وأمّا الزوجيّة فهي علقة من قبيل سائر العلائق ، ودعوى : أنّها منتزعة من التكليف ليس إلاّ كدعوى كون الأبوّة والأخوّة كذلك في وضوح الفساد ، وسببيّة عقد النّكاح لها راجعة إلى الشارع جعلا وتقريرا ، وكذا الحال في الرقّيّة والحرّيّة ؛ فإن كون شخص رقّا للآخر ليس من التكليف ، كما ان كون شخص سلطانا والآخر رعيّة ، او كون شخص إماما أو نبيّا أو وليّا ليس تكليفا ، وليس العتق إلاّ كالطلاق مزيلا للعلقة ، وسببيّة الإنشاء له بجعل الشارع وتقريره.
فهل يتوهّم : ان اعتبار الوقوع عند العدلين في الطلاق وغيره من الشرائط الشرعيّة من قبيل التكاليف وانه إخبار عمّا لا يرجع إلى الشارع؟! وتبيّن ممّا حقّقناه مواقع النظر في هذا الكلام » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٥.