ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا كلّه : توجّه المناقشة إلى ما أفاده السيّد بحر العلوم قدسسره من جعل الاستصحاب دليلا على الحكم في موارده ومجاريه ، وجعل الأخبار
__________________
يكون نسبته إلى إحداهما أولى من نسبته إلى الأخرى وهذا الإستدلال بعموم الأدّلة وليس من الإستصحاب في شيء. وأمّا الصورة الثالثة فهي مسألة الإستصحاب المتنازع فيه ، فالخلاف فيها يرجع في الحقيقة إلى الخلاف في دلالة الثبوت على البقاء والدوام.
فالنّافون للحجّيّة منعوا ذلك ؛ نظرا إلى أنّ الشيء قد يثبت ولا يدوم فلا بد لدوامه من دليل غير دليل الثبوت كزواله ، فإذا فقد من الجانبين وجب الرّجوع إلى الأصول الشرعيّة وكان الحكم في الحالة الثانية تابعا لما يقتضيه حكم الأصل في البقاء والزوال.
وأمّا المثبتون : فإنهم قالوا : الأصل فيما يثبت أن يدوم شرعا وإن جاز زواله عقلا واحتجّوا على ذلك بوجوه وقد أشرنا إلى ما هو المختار منها وبيّنّا وجه الدلالة فيه.
فعندهم دليل الحالة الثانية هو الثبوت في الأولى ودليل ثبوت الحكم فيها ثبوته في الأولى [ كذا في نسخة الأصل ] هو دليل حجّيّة الإستصحاب كقوله عليهالسلام : ( لا تنقض اليقين بالشك ) مثلا فلا يلزم الحكم في الثانية من غير دليل ولا الحكم فيها بدليل حكم الأولى كما لا يخفى ) إنتهى.
فهو كما ترى قدسسره صرّح في مواضع من هذا الكلام : بأنّ الدليل على البقاء إنّما هو الحدوث وأن المستفاد من الأخبار وغيرها إنّما هو اعتبار دلالة هذا الدليل ودليليّته ، فالبقاء ليس استصحابا وإنّما الإستصحاب على هذا هو الحدوث أو الثبوت المعلول له.
ولا يخفى ما بين الكلامين من التهافت ، ولا يخفى مع ذلك ما فيه من الخلط بين الأصل العقلي والشرعي ؛ فإنّ الأخبار لا تدلّ على حجّيّة الحدوث وإنّما المستفاد منها هو المضيّ على اليقين.
وكيف كان : فلا إشعار فيها على اعتبار الحدوث وإنّما هو موضوع للأصل العقلي عند القائل به لا دليل ، ولعلّ بالتأمّل فيما ذكرنا يندفع التهافت بالتكلّف كما اندفع الإشكال من غيره فلاحظ وتدبّر » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ٨١ ـ ٨٣.