فإن قلت : لو كان الأمر كما ذكرت لما جرى الاستصحاب في القسم الثّاني ؛ إذ ما ذكرته بعينه جار فيه أيضا ؛ إذ لا يفرّق في عدم جريان الاستصحاب بين أن يعلم أنّ الوجود المتيقّن غير الوجود المشكوك ، أو يشكّ في ذلك ؛ إذ معه أيضا لا يعلم أنّ ما تعلّق به اليقين عين ما تعلّق به الشّك.
نعم ، لا إشكال في جريان الاستصحاب بناء على ما ذكرت في القسم الأوّل ، فلا بدّ أن يختصّ القول بجريان الاستصحاب في الكلّي به.
قلت : قياس القسم الثّاني على القسم الثّالث قياس مع الفارق ؛ لاتّحاد ما تعلّق به اليقين مع ما تعلّق به الشّك في القسم الثّاني ؛ لأنّ متعلّق اليقين فيه هو وجود الكلّي في ضمن أحد الفردين لا على التّعيين ، ومتعلّق الشّك هو بقاء هذا المتيقّن الّذي تعلّق العلم به. هكذا ذكره الأستاذ العلاّمة.
ثانيها : الجريان مطلقا نظرا إلى أنّ الوجود المتيقّن سابقا يلاحظ تارة : من حيث كونه محقّقا للفرديّة ، وأخرى : من حيث تعلّقه بالكلّي ، والممنوع من استصحابه هو الأوّل لا الثّاني. وبعبارة أخرى : المراد إنّما هو استصحاب وجود النّوع بالنّسبة إلى الأحكام المتعلّقة به ، ومن المعلوم أنّ تعدّد الوجودات لا ينافي صدق البقاء بالنّسبة إليه ، وإن كان منافيا بالنّسبة إلى الشّخص.
ثالثها : التّفصيل بين الأقسام الثّلاثة ، فيجري في القسم الأوّل دون القسمين الأخيرين ؛ حيث إنّ فيهما يعلم بارتفاع الوجود الأوّل قطعا ، وإنّما الشّك في قيام وجود آخر مقامه ، وهذا بخلاف القسم الأوّل ؛ فإنّ وجود الكلي على تقدير ثبوته في الزّمان اللاّحق هو عين وجوده الأوّلي ، فيصدق فيه البقاء بخلاف القسمين الأخيرين ، وهذا هو المختار عند الأستاذ العلاّمة « دام ظلّه العالي » في « الكتاب » وفي مجلس البحث.