المشكوكة فيتساقطان ، أو يحكم بعدم جريانها في هذا الفرض ؛ نظرا إلى أحد المسلكين في كيفيّة تأثير العلم الإجمالي.
قلت : لا معنى لمنع جريان الأصل في الأحكام المعلومة في شريعتنا على تقدير ترتّب أثر على كونها من الأحكام الغير المنسوخة ؛ لأنّ من الالتزام بهذا الأثر لا يلزم شيء أصلا ، والعلم الإجمالي لا أثر له بالنّسبة إليه جزما ، وإنّما أثره المنع من إثبات وجوب الالتزام ببعض الأحكام في شريعتنا فيما لو توقّف وجوب الالتزام به عليه ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فلا مانع من الرّجوع إلى الأصل ، هذا كلّه لو كان المراد هو المعنى الثّاني.
وإن كان المراد المعنى الثّالث أي : نسخ الجميع باعتبار وجوب الالتزام. ففيه : أوّلا : المنع من كون مقتضى التّدين بدين نبيّ وجوب الالتزام بكلّ حكم جاء به من حيث إنّه جاء به ، وإنّما الّذي يجب على المكلّف الالتزام بحكم الله الّذي علم به من قول أيّ نبيّ كان ؛ لأنّ قول الرّسول طريق إلى الأحكام الواقعيّة كحكم العقل. ومن المعلوم أنّ جهة الطّريقيّة لا يقتضي أخذها في الحكم المترتّب على ذي الطّريق.
وبالجملة : مقتضى كون قول الرّسول طريقا عدم وجوب الالتزام به من حيث هو هو وعدم كونه ناسخا لقول الرّسول السّابق عليه بهذا الاعتبار.
كيف؟ وقد ورد في حقّ عيسى بن مريم عليهالسلام أنّه قال لأمّته : إنّي ما جئت إلّا لأكمل شريعة موسى عليهالسلام ولا ينافي ذلك وجوب تصديق النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنّسبة إلى جميع ما ثبت منه أصلا وفرعا ، والالتزام به من حيث إنّ الالتزام بكونه حكم الله عين تصديقه كما هو ظاهر.