التخلّص عن العقاب والفرار عنه. ومن المعلوم أنّ هذا المعنى غير التّعبّد على وجه الإخلاص.
قلت : الّذي يحكم به العقل هو وجوب إطاعة الله تعالى في كلّ واجب على ما هو قضيّة قوله تعالى : أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (١) فإنّه لا اختصاص لحكم العقل والشّرع بوجوب الإطاعة بالواجبات التّعبّدية ، بل يشملها والتّوصّلية قطعا.
ومن المعلوم أنّ الإطاعة والامتثال لا يتحقّق بدون التّقرب ، وليس المراد من التّقرب هو الإتيان بما أمر به الله تعالى من حيث كونه مستحقّا للعبوديّة ؛ لأنّ هذه المرتبة من المراتب الّتي لا يحكم العقل والشّرع بوجوبها قطعا ، ولا يشترط في صحّة العمل جزما ؛ لأنّه لا يمكن تحصيله إلّا للأولياء ، بل هو مجرّد الإتيان بما أمر به لداعي التّقرب إليه ولو من جهة الفرار عن مؤاخذته ، لكفاية هذا المعنى في تحقّق الامتثال وصحّة العمل على ما تقرّر تفصيل القول فيه في الفقه ، فإذن نقول : إن الّذي يحرّك العقل به المكلّف إلى فعل الواجبات ليس إلّا خوف العقاب على تركها بحيث لا يكون الدّاعي له في الإقدام على الفعل إلّا هذا المعنى ؛ لأنّه أمر مركوز في أذهان جميع النّاس بل جميع الحيوانات فضلا عن الإنسان ، غاية الأمر : أنّه لو كان الواجب توصّليا يمكن رفع موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة وهو أمر الشارع بغير الامتثال. فلا يحكم به من هذه الجهة ، لا أنّه يحصل الامتثال بمجرّد الإتيان بالمأمور به ، أو يكون حكم العقل بوجوب الإطاعة مختصّا
__________________
(١) النساء : ٥٩.