استصحاب الأحكام في الجملة سواء أريد من الإطلاق إطلاق الأحكام بقول مطلق ، أو إطلاق النّبوّات ؛ فإنّه على الأول لا يجدي مع العلم بنسخ أكثر النّبوّات وأغلبها الكاشف عن التّحديد الواقعي على تقدير جواز المقايسة بين الحكمين ، وعلى الثّاني لا يفيد على تقدير تسليم الإطلاق اللّفظي ، مع أنّه ممنوع عنده بعد تبيّن حال أغلب النّبوّات بالنّسخ الكاشف عن التّحديد الواقعي ، فأين إرادة الإطلاق من أكثر النّبوّات وأغلبها حتّى يلحق المشكوك المردّد بها؟
وليس غرضه إثبات الظّن بالارتفاع في الخلاف حتّى يتوجّه عليه ما أفاده شيخنا ( دام ظلّه ) ، كما أنّه ليس غرضه من التّحديد التّحديد بحسب اللّفظ حتّى يناقش فيه بما أفاده ، كيف! ونسخ أكثر النّبوّات يستلزم إطلاقها بحسب دليله ، فكيف يستدل بنسخها على تحديدها بحسب البيان اللّفظي؟ فلا بدّ أن يكون المراد التّحديد بحسب الواقع المنكشف من النّسخ فلا يتوجّه عليه شيء من الإيرادين.
(٢٧٥) قوله : ( ويمكن توجيه كلامه : بأنّ المراد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٦ )
أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّ مراد المحقّق القميّ قدسسره ليس هو الجواب عن استصحاب الأحكام بتحقّق البشارة من النّبي السّابق فلا يجوز إجراء الاستصحاب بعد مجيء من يدّعي كونه المبشّر بنبوّته ، بل مراده أنّه كما أنّ إطلاق أدلّة الأحكام لا تنفع مع اقترانها بالبشارة في حصول الظّن بالاستمرار في زمان الشّك ، كذلك إطلاقها لا تنفع في حصول الظّن المذكور بعد فرض إهمال دليل أصل النّبوّة وعدم ثبوت إطلاقه ؛ لأنّ قضيّة تبعيّة تلك الأحكام للنّبوّة سراية الإهمال في دليل النّبوّة إلى الإطلاق في أدلّة الأحكام ؛ لأنّ الظّن بالمسبّب مع عدم الظّن بالسّبب ممّا لا معنى له ، هذا حاصل ما ذكره من التّوجيه.