عدم النّسخ بعد ثبوت الحكم لا يتوقّف على اعتبار الاستصحاب ، بل هي من الأصول الّتي قد جرت بناء العقلاء وأهل كلّ نحلة ودين على العمل بها من حيث الظّن والظّهور ، فلا يتوقّف إثبات اعتبارها على إثبات اعتبار الاستصحاب حتّى يلزم الدّور.
ولكنّك خبير بأنّ هذا خروج عن الفرض ؛ فإنّ مفروض الكلام التّمسك في إثبات عدم نسخ النّبوّة والأحكام الثّابتة في شريعة النّبي بالاستصحاب المبني على الأخبار ، وإلّا لجرى مثل ما ذكر في الحكم بعدم منسوخيّة النّبوّة أيضا ، فأين يبقى مجال للتّمسّك بالاستصحاب من باب الأخبار؟
والحاصل : أنّ ما ذكر من الجواب على خلاف الفرض هذا. مضافا إلى أنّ هنا شيء آخر قد أشار إليه ( دام ظلّه ) في طيّ كلماته السّابقة والتزم به وهو : أنّ بقاء الحكم وارتفاعه تابع لبقاء النّبوّة وارتفاعها ، فإذا لم يمكن إثبات بقائها فلا يجوز الحكم ببقائه فتدبّر.
ولكن يمكن أن يقال : بأنّ ما ذكر من الاستدراك مبنيّ على أنّه بعد ثبوت اعتبار الاستصحاب في الشّريعتين يكون حجّة قطعيّة على كلّ تقدير سواء نسخت الشّريعة السّابقة أم لا ، فلا يحتاج في إثبات اعتباره إذن إلى التّمسّك بالاستصحاب حتّى يلزم إثبات اعتبار الاستصحاب بالاستصحاب هذا.
ولكن قد يقال عليه أيضا : بأنّ العلم بعدم نسخ الاستصحاب على تقدير نسخ الأحكام والشّريعة السّابقة أيضا ـ لفرض العلم بثبوته في كلّ من الشّريعتين ـ لا يسوّغ التّمسك به في إثبات الشّريعة السّابقة ؛ فإنّ ثبوته في الشّريعة اللّاحقة يمنع من التّمسك به في إثبات الشّريعة اللّاحقة فتأمّل. ٣ / ١٥٦