__________________
من غير تفاوت في ذلك بين تفاوتهما بحسب لسان دليلهما وعدم تفاوتهما ، لا أن يكون أحدهما نافيا بمدلوله اللّفظي ، فيكون حاكما دون الآخر ، فلو لا ما ذكرنا من وجه التقديم ، لا يندفع مغالطة المعارضة بينهما أصلا كما لا يخفي.
لا يقال : قضيّة قوله في بعض أخبار الباب « ولكنّه تنقضه بيقين آخر » هو النّهي عن النّقض بغير اليقين والدّليل المعتبر غير موجب لليقين مطلقا ، فكيف يقدّم كذلك.
لأنّا نقول : لا محالة يكون الدّليل موجبا لليقين ، غاية الأمر لا بالعناوين الأوّليّة للأشياء ، بل بعناوينها الطّارية الثّانويّة مثل كونه قام على وجوبه أو حرمته خبر العدل ، أو قامت البيّنة على ملكيّته أو نجاسته بالملاقاة ، إلى غير ذلك من العناوين المنتزعة من سائر الأمارات ، وبأدلة اعتبارها علم أحكام هذه العناوين بلا كلام ، فلا يكون نقض اليقين إلّا باليقين بالخلاف ، ولا منافاة بين الشّكّ فيه من وجه والقطع من وجه آخر.
وبذلك انقدح وجه تقديم الأمارات على سائر الأصول ، وذلك لأنّها أحكام لما شكّ في حكمه ولم يعلم بوجوبه أو حرمته بوجه ، ضرورة أنّ ما علم حكمه ولو من وجه ليس محكوما بالحلّيّة بكلّ شيء لك حلا مثلا ، وقد علم بوجه ، وببعض العناوين حكم المشكوك عند قيام الأمارة ، فما قامت الأمارة المعتبرة على حرمته أو خمريته قد عرفت حرمته ، فدخل في الغاية فلا يعمّه حكم المعنى في « كلّ شيء لك حلال » كما لا يخفى.
إن قلت : الأمارات في قبال الأصول إنّما يكون موجبة للقطع لو كانت معتبرة في هذا الحال ، وهو بعد محلّ الإشكال.
قلت : إنّ عموم دليل اعتبارها يقتضي الاعتبار في قبالها كما في سائر الأحوال ، ولا وجه لتخصيصه في هذا الحال إلّا على وجه محال.
وبذلك تندفع أيضا : مغالطة معارضة ما ذكرنا : بأنّه لا مجال للأمارة أيضا ، مع القطع بالحكم ، وقد قطع بانّ مشكوك الحرمة حلال لعموم « كلّ شيء » فإنّ عمومه لا يعمّه مع الأمارة