أقول : لا يخفى عليك أنّه ربّما يتراءى في باديء النّظر من هذه العبارة كون الدّخول في الغير أعمّ من التّجاوز عن المحلّ مع وضوح فساده ؛ لأنّ الأمر بالعكس ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنّ المراد من العبارة حسبما يقتضيه التّأمل فيها هو أنّ الدّخول في الغير إن كان محقّقا للتّجاوز عن المحلّ بأن استند التجاوز إليه فلا إشكال ؛ لأنّه مجمع الاخبار المتعارضة بظاهرها وإن لم يكن الدخول في الغير محقّقا للتجاوز عن المحل ، بل تحقّق التّجاوز قبله. ففيه : إشكال ، وكيف كان : الأمر في هذا سهل.
فبالحريّ أن نصرف عنان القلم إلى بيان تعارض الأخبار والجمع بينها. فنقول :
__________________
مجرد التجاوز كما هو مقتضى ظاهر التعليل ، وذكر الدخول في الغير في الصدر من باب المثال ولأنه من الأفراد الواضحة الشائعة اختاره من بين الأمثلة ، وهكذا يكون الاحتمالان فيما نحن بصدده في خبر اسماعيل بن جابر.
والتحقيق أنّ ترجيح أحد الاحتمالين لا يدخل تحت ضابطة كلية يبحث عنه الأصولي ، لأنّ مناط الترجيح أقوائية ظهور الصدر في اعتبار خصوصيات المورد قيدا على ظهور الذيل في الإطلاق أو العكس ، فربما يكون هذا وربما يكون ذاك ، فلا بدّ للفقيه من ملاحظة خصوصيات الموارد ويختار في كل مورد ما يترجّح في نظره من أحد الوجهين ، فنقول فيما نحن فيه إنه لم يظهر لنا أنه عليهالسلام عند ذكر هذه الأمثلة في مقام التوطئة وبصدد تحديد الغير الذي يعتبر الدخول فيه ليصير ذلك قرينة على صرف العموم إلى أمثال هذه الأمثلة ، وحيث لا صارف لظهور عموم العام يؤخذ بعمومه ويحمل اختياره لتلك الأمثلة على أنها أقرب للأذهان لكونها من الأمثلة الواضحة الشائعة ، فناسب ذكرها أوّلا ليستأنس الذهن بالمطلب ثم ذكر عموم القاعدة بحيث يشمل سائر الأفراد الخفية أو الواضحة » إنتهى.
أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٦٣ ـ ٣٦٥.