قد عرفت : أنّ النّسبة بين ما دلّ على اعتبار التّجاوز من الأخبار وما دلّ على اعتبار الدّخول في الغير عموم وخصوص مطلق ؛ فإنّ التّجاوز في غالب الأوقات وإن تحقّق بالدّخول في الغير ، إلّا أنّه قد يتحقّق أيضا بدون الدخول في الغير ، كما إذا فرض حرف آخر الكلمة ساكنا شكّ في وجوده بعد أدنى فصل ، ولا إشكال في وقوع التّعارض بين الأخبار الظّاهرة في اعتبار التّجاوز والظّاهرة في اعتبار الدّخول في الغير ؛ لأنّ الأولى تدلّ بظاهرها على كفاية التّجاوز عن المحلّ وعدم اعتبار الدّخول في الغير بمقتضى الحصر الموجود في بعضها ، والثّانية تدلّ بالمفهوم على عدم كفاية التّجاوز عن المحلّ.
والجمع بينهما يمكن بأحد الوجهين :
أحدهما : حمل الإطلاق في الطّائفة الأولى على التّقييد في الطائفة الثّانية على ما هو الأصل في تعارض المطلق والمقيّد ، فيحكم بعدم اعتبار التّجاوز إذا تحقّق بغير الدّخول ، ووجوب الالتفات إلى الشّك.
ثانيهما : حمل التّقييد في الطّائفة الثّانية على كونه واردا مورد الغالب كما في قوله تعالى : وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ (١) فليس لها مفهوم حتّى يعارض الإطلاق في الطّائفة الأولى ، بل يصير إذن من المطلق والمقيّد المثبتين اللّذين لا يحمل المطلق فيهما على المقيّد فيما كان من مقولة الوضع ؛ لعدم ثبوت التّنافي بينهما الّذي هو الدّاعي إلى الحمل كما هو واضح على من له أدنى دراية ، فيحكم إذن باعتبار التّجاوز عن المحلّ وإن انفكّ عن الدّخول في الغير.
__________________
(١) النساء : ٢٣.