وما يجري فيه أدلّة الاشتراك لا يجري فيه الاستصحاب ؛ لأنّ التّعدّي عن مكلّف إلى غيره مع اختصاص الحكم والإنشاء به ظاهرا لا يمكن أن يستند إلى الاستصحاب ، بل لا بدّ له من دليل آخر : من ضرورة أو إجماع أو غيرهما من الأدلّة.
فإن قلت : التّكليف أمر نسبيّ إضافيّ له نسبة إلى المكلّف ـ بالكسر ـ ونسبة إلى المكلّف ـ بالفتح ـ ونسبة إلى المكلّف به ، ومن المعلوم استحالة تحقّق الأمر النّسبي بدون المنتسب إليه ؛ لأنّه قضيّة الإضافة والنّسبة ، فكما أنّه لا يعقل وجود للحكم بدون الحاكم ، كذلك لا يعقل له وجود بدون المحكوم ، فإذن نقول : تحقّق الحكم سابقا بدون تعلّقه بمكلّف أمر مستحيل عقلا ، فإذا فرض انعدام من كلّف بالحكم سابقا ، فكيف يستصحب في حقّ من يشكّ في كونه مكلّفا بتكليفه؟ وإن هو إلّا إجراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر الّذي لا يصدق معه الاستصحاب قطعا ، بل يكون من القياس الّذي اتّفقوا على حرمة العمل به. فالقول : بأنّ المستصحب هو الحكم الكلّي بعد فرض كونه نسبيّا ممّا لا يكون له معنى محصّل ؛ إذ الكلّي في ضمن الفرد عين الفرد.
قلت : التّكليف وإن كان أمرا نسبيّا إضافيّا ، إلّا أنّ المفروض كون إنشاء الحكم في السّابق على نحو يعلم عدم مدخليّة مكلّف خاصّ فيه ، فلو فرض عدم تكليف شخص به فليس من جهة قصور في الحكم ، بل من جهة اجتماع شرائط التّكليف فيه بحيث لو فرض اجتماعه لشرائط التّكليف كلّف به قطعا.
غاية الأمر : أنّه لمّا لم يوجد بعض المكلّفين في السّابق لم يتعلّق به الحكم ـ من جهة عدم قابليّة المحلّ لا من جهة قصور الحكم وعدم قابليّته ـ وتعلّق بمن كان قابلا ، فإذا شكّ في ارتفاع هذا المعنى فيحكم بمقتضى الاستصحاب ببقائه