ومنه يظهر لك أنّه لا بد من القول بأنّ إعمال اللفظ في نوعه الشامل له ليس من باب الإلقاء ، وأنه لا بد أن نقول بأنّه من باب الاستعمال ، والمنشأ في هذه المحالية التي أفادها قدسسره هو ما تقدّمت (١) الإشارة إليه في المعنى الحرفي وأنّ مفادها إيجاد النسبة بين المفهومين ، وقد تقدّم الكلام فيه فراجع وتأمّل.
وحيث قد تبيّن لك صحّة تحقق النسبة بين واقع المنسوب إليه وبين مفهوم المنسوب ، تعرف إمكان كون النوع الشامل والصنف الشامل من باب الإلقاء لا الاستعمال ، بل يمكن أن يقال : إنّ النوع والصنف وإن لم يكونا شاملين بل المثل أيضا كله من باب الإلقاء لا الاستعمال ، فإنّ جميع ذلك لا يكون إلاّ من قبيل تكرار الوجود ، بمعنى أنّ المحكوم عليه بقولك : ضرب لفظ ، أو ضرب فعل ماض ، هو ذلك اللفظ الموجود في جملة ضرب زيد سواء لوحظ نوع ضرب الموجود فرد منها في جملة ضرب زيد أو صنفها أو شخصها ، وليس لفظ ضرب في قولنا : ضرب ثلاثي ، أو ضرب فعل ماض إلاّ عبارة عن تكرار وجود ذلك اللفظ الموجود في قولنا : ضرب زيد ، وهو وإن كان وجودا ثانيا غير الوجود الأوّل ، إلاّ أنّه لمّا كان متّحدا معه من جميع الجهات صار بحسب نظر الذوق والطبع هو هو ، فكأنه بنفسه هو الملقى المحضر أمام السامع لا أنّه لفظ آخر ، ونظير ذلك الوجود الكتبي مثلا لو كتبت قول الشاعر : بانت سعاد إلى آخره ، فتارة ترسم على سعاد في ضمن البيت لفظ فاعل ، فيكون المخبر عنه هو تلك اللفظة المرسومة في ضمن البيت ، واخرى ترسم تحت ذلك البيت هذه الجملة ( سعاد فاعل )
__________________
(١) راجع صفحة : ٤٤ وما بعدها ، وقد تقدم ما يرتبط بالمقام في صفحة : ٦٨ ـ ٦٩.