ثم إنّهم قد ذكروا العوارض الغريبة ووسائطها العروضية ، فقال بعضهم (١) : والغريب ما يعرضه بواسطة عروضية خارجة أعم منه كالحاجة للانسان لأنّه ممكن ، والمشي للناطق لأنه حيوان ، أو أخص كالتعقل للحيوان بواسطة الناطق ، من غير فرق في جميع ذلك بين أن يفرض للعرض واسطة ثبوتية وبين عدمه ... إلخ.
ولا يخفى أن الامكان علة لعروض الحاجة على الانسان ، ولو جعلنا الحاجة والامكان من قبيل الحركة والسرعة جرى فيهما الاشكال المتقدم فيهما. وأما المشي للناطق ، فان أخذنا الناطق فصلا أعني نفس الصورة فليس المشي من عوارضه ، وإن أخذناه حاكيا عن النوع أعني نفس الانسان ، فالمشي من عوارض جزئه الأعم ، وهو في نظره من العوارض الذاتية.
ولنا أن نقول : إن الحيوانية علة في عروض المشي على النوع الخاص أعني الانسان المركب من الحيوان الناطق ، ولنا أن نقول : إن المشي لم يعرض على الانسان وإنما معروضه هو الحيوان الموجود في ضمن الانسان كعروضه للحيوان الموجود في ضمن الفرس.
وأما ذكره التعقل للحيوان بواسطة الناطق فهو عجيب ، حيث إن التعقّل لا ينسب حتى ولو مجازا إلى الحيوان ، وليس هو من عوارضه لا دقة ولا عرفا. ولو سلّمنا كونه من عوارض الحيوان فجعل الناطق واسطة في عروض التعقل على الحيوان عجيب ، لأنه يعتبر الحمل في الواسطة العروضية ، فانه قال : المراد بالواسطة في العروض ما يقترن بقولنا « لأنه »
__________________
(١) وهو المرحوم الشيخ عبد الهادي شليلة في شرح منظومته في المنطق [ منه قدسسره ] راجع منتقى الجمان في شرح لؤلؤة الميزان : ٢٠.