(٢)
ودلّل الإمام أبو جعفر الجواد عليهالسلام بمواهبه وعبقرياته ، وملكاته العلميّة الهائلة التي لاتُحدّ على الواقع المشرق الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية من أنّ الإمام لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم من دون فرق بين أن يكون صغيراً أو كبيراً ، فإنّ الله أمدَّ أئمّة أهل البيت عليهالسلام بالعلم والحكمة وفصل الخطاب كما أمدَّ اُولي العزم من أنبيائه ورسله ، وتعتبر هذه إحدى العناصر الحيّة في عقيدة الشيعة.
لقد برهن الإمام أبو جعفر عليهالسلام على ذلك فقد تقلّد الإمامة والزعامة الدينية بعد وفاة أبيه الإمام الرضا عليهالسلام وكان عمره الشريف ـ فيما أجمع عليه المؤرّخين ـ لايتجاوز السبع سنين ، وهو دور لايسمح لصحابة ـ حسب سيكلوجية الطفل ـ أن يخوض في أي ميدان من مياتدين العلوم العقلية ، أو يدخل في عالم المناظرات والبحوث الجدلية ، مع كبار العلماء والمتخصّصين فإنّ ذلك غير ممكن لمن كان في سن الطفولة. إلاّ أنّ الإمام الجواد عليهالسلام وهو بهذا السنّ قد خرق هذه العادة.
فقد سأله أشهر علماء عصره عن أعقد المسائل الفلسفية والكلامية والفقهية فأجابهم عنها ، وكان ممّن سأله يحيى بن أكثم قاضي قضاة بغداد الذي انتخبه العباسيون لامتحان الإمام فسأله عن مسألة فقهية ، ففرّع الإمام عليها عدّة فروع ثمّ سأله عن أي فرع أراده منها ، فلم يهتدِ يحيى لذلك ، ولم يستطع أن يتخلّص ممّا هو فيه ، واعترف بعدم قدرته على مجاراة الإمام (١).
ولقد شغلت مناظراته مع يحيى وغيره من علماء عصره الرأي العام في بغداد وغيرها ، فكانت حديث الأندية والمجالس ، وتحدّث بها الركبان ، ولا تزال تسجّل له الاعجاب على امتداد التاريخ ..
__________________
١ ـ سنعرض لهذه المسألة وغيرها في البحوث الآتية.