وممّا يدلّل على مدى ثرواته العلمية ، وهو بهذا السن انّ فقهاء الشيعة بعد وفاة الإمام الرضا عليهالسلام قد خفّوا إلى يثرب للتعرّف على الإمام القائم من بعده ، فأرشدهم الثقات إلى الإمام الجواد فمثلوا أمامه وسألوه عن أعمق المسائل ، وأكثرها تعقيداً فأجابهم عنها ، ويقول الرواة : انّه سئل في موضع آخر عن ثلاثين ألف مسالة فأداب عنها ، ومن الطبيعي أنّه لا تعليل لهذه الظاهرة المحيّرة والمذهلة للفكر إلاّ بما تذهب إليه الشيعة الإمامية من أنّ أئمّة أهل البيت عليهالسلام قد منحهم الله تعالى العلم وآتاهم من الفضل ما لم يؤت أحداً من الناس.
(٣)
ويقول بعض المؤرّخين : إنّ مواهب الإمام الجواد عليهالسلام وعبقرياته قد ملكت عواطف المأمون ، ومشاعره فأخلص له في الحبّ والولاء فقدّمه على أبنائه ، وأهل بيته ، وزوّجه من ابنته اُمّ الفضل ، ووفّر له العطاء الجزيل ، وأوعز إلى جهاز حكومته وسائر الأوساط الرسمية باحترامه وتبجيله. إلاّ أنّه واقع لذلك كما سنعرض له في بحوث هذا الكتاب.
(٤)
ولم يلق الإمام الجواد عليهالسلام أي ضغط اقتصادي طيلة حياته وإنّما عاش مرفهاً عليه غاية الترفيه فقد أجرى له المأمون مرتباً سنوياً يبلغ حوالي مليون درهم ، وهي كثيرة في ذلك العصر الذي كان الدرهم فيه يساوي قيمة شاة.
وكانت ترد إليه الأموال الطائلة من الحقوق الشرعية التي تذهب الشيعة إلى لزوم دفعها إلى الإمام ، كنصف الخمس الذي يسمّيه فقهاء الشيعة الإمامية بحقّ