الإمام عليهالسلام وكمجهول المالك وغيره من سائر الحقوق الشرعية بالإضافة إلى واردات الأوقاف التي وقفها على أهل البيت عليهمالسلام بعض المحسنين من الشيعة في ( قم ) وغيرها وكان عليهالسلام يقتصد في صرفه على نفسه ، وينفق تلك الأموال الطائلة على فقراء المسلمين وذوي الحاجة والمظرين ، ولهذا السخاء المنقطع النظير ، فقد لقّب عليهالسلام بالجواد وكان هذا اللقب من أميز ألقابه وأشهرها حتى عُرِف واشتهر به بين الناس.
(٥)
واُحيط الإمام محمّد الجواد عليهالسلام بهالة من الحفاوة والتكريم ، وقابلته جميع الأوساط بمزيد من الاكبار والتعظيم ، فكانت ترى في شخصيّته امتداداً ذاتياً لآبائه العظام الذين حملوا مشعل الهداية والخير إلى الناس. إلاّ أنّه لم يحفل بتلك المظاهر التي اُحيط بها ، وإنّما آثر الزهد في الدنيا والتجرّد عن جميع مباهجها.
وقد رآه الحسين في بغداد ، وقد إلتفّت حوله الجماهير ، فحدّثته نفسه بأنّه لا يرجع إلى ما كان عليه من الزهد في الدنيا والاقبال على الله ، وشعر الإمام منه ذلك ، فأقبل عليه بلطف ورفق قائلاً :
( يا حسين ، إن خبز الشعير ، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحبُّ إليَّ ممّا تراني فيه ... ) (١).
وكانت هذه الظاهرة إحدى العناصر البارزة في سيرة الإمام محمّد الجواد عليهالسلام كما كانت السمة البارزة في سيرة أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، فلم يؤثر عن أي أحد منهم أنّه سعى للدنيا ، أو اتّجه نحو مباهجها ، وإنّما آثروا جميعاً طاعة الله وابتغوا الدار الآخرة ، وعملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى.
__________________
١ ـ إثبات الهداة ٦ : ١٨٥.