سُئل أحسن أن يجيب.
ثمّ إن كان ذكر الأقسام الممكنة واجباً فلِمَ يستوف الأقسام ، وإن لم يكن واجباً فلا حاجة إلى ذكر بعضها ، فإنّ من جملة الأقسام أن يقال : متعمّداً كان أو مخطئاً ، وهذا التقسيم أحقّ بالذكر من قوله : عالماً كان أو جاهلاً ، فإنّ الفرق بين المتعمّد والمخطئ ثابت بالإثم باتّفاق الناس ، وفي لزوم الجزاء في الخطأ نزاع مشهور ، فقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أنّ المخطئ لا جزاء عليه ، وهو أحد الروايتين عن أحمد ، قالوا : إنّ الله قال : ( ومن قتله منكم متعمّداً فجزاء مثل ما قتل من النعم ) فخصّ المتعمّد بوجوب الجزاء ، وهذا يقتضي أنّ المخطئ لا جزاء عليه ، لأنّ الأصل براءة ذمّته ، والنصّ إنّما وجب على المتعمّد ، فبقي المخطئ على الأصل ، ولأنّ تخصيص الحكم بالمتعمّد يقتضي انتفاءه عن المخطئ فإنّ هذا مفهوم صفة في سياق الشرط ، وقد ذكر الخاصّ بعد العامّ ، فإنّه إذا كان الحكم يعمّ النوعين كان قوله : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّداً ) فزاد اللفظ ، ونقص المعنى ، وكان هذا ممّا يصان عنه كلام أدنى الناس حكمة فكيف كلام الله الذي هو خير الكلام وأفضله ، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ، والجمهور القائلون : بوجوب الجزاء على المخطئ يثبتون ذلك بعموم السنّة والآثار ، وبالقياس على قتل الخطأ في الآدمي ، ويقولون : إنّما خصّ المتعمّد بالذكر لأنّه ذكر من الأحكام ما يخصّ به المتعمّد وهو الوعيد لقوله : ( لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) فلمّا ذكر الجزاء والانتقام كان المجموع مختصاً بالمتعمّد ولم يلزم أن يثبت بعضه مع عدم العمد ، ومثل هذا قوله : ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خَفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) فإنّه أراد بالقصر قصر العدد وقصر الأركان ، وهذا القصر الجامع للنوعين متعلّق بالسفر والخوف ، ولا يلزم من الاختصاص بمجموع