الأمرين أن لا يثبت أحدهما مع أحد الأمرين ، ولهذا نظائر ، ولذلك كان ينبغي أن يسأله أقتله وهو ذاكر لإحرامه ، أو ناس ، فإنّ في الناسي نزاعاً أعظم ممّا في الجاهل ، ويسأل هل قتله لكونه صال عليه ، أو لكونه اضطر إلى مخمصة أو قتله عبثاً ظلماً بلا سبب ، وأيضاً فإنّ في هذه التقاسيم ما يبيّن جهل السائل ، وقد نزّه الله من يكون إماماً معصوماً عن هذا الجهل ، وهو قوله : ( أفي حلّ قتل أم في حرم ) فإنّ المحرم إذا قتل الصيد وجب عليه الجزاء سواءً كان في الحلّ أم في الحرم فاتّفاق المسلمين ، والصيد الحرمي يحرم قتله على المحلّ والمحرم ، فإذا كان محرماً وقتل صيداً حرمياً توكّدت الحرمة ولكن الجزاء واحد.
وأمّا قوله : ( مبتدئاً أو عائداً ) فإنّ هذا فرق ضعيف لم يذهب إليه إنسان من أهل العلم ، وأمّا الجماهير فعلى أنّ الجزاء يجب على المبتدئ وعلى العائد وقوله في القرآن : ( وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) قيل : إنّ المراد من عاد إلى ذلك في الإسلام بعدما عفا الله عنه في الجاهلية ، وقيل : نزول هذه الآية كما قال : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) وقوله : ( وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ ) وقوله : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَا قَدْ سَلَفَ ) يدلّ على ذلك ، إنّه لو كان المراد غفر الله في أوّل مرّة لما أوجب عليه جزاءً ، ولا انتقم منه وقد أوجب عليه الجزاء أوّل مرة.
وقال : ( لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) فمن أذاقه الله وبال أمره كيف يكون قد عفي عنه ، وأيضاً قوله : ( عمّا سلف ) لفظ عامّ واللفظ العامّ المجرّد عن قرائن التخصيص لا يراد مرّة واحدة ، فإنّ هذا ليس من لغة العرب ، ولو قدر أنّ المراد بالآية عفا الله عن أوّل مرّة ، وإنّ قوله : ( ومن عاد ) يراد به العود إلى القتل فإنّ انتقام الله منه إذا عاد لا يسقط الجزاء عنه فإنّ تغليظ الذنب لا يسقط الواجب كمن قتل نفساً بعد نفس لا