يسقط عنه قود ولا ديّة ولا كفّارة .. ) (١).
وحفل كلام ابن تيميّة بالمغالطات التي هي أبعد ما تكون عن الحقّ وألصق ما تكون بالباطل ، والتي كان منها ما يلي :
أولاً : إنّه برّأ يحيى ونزّهه من الإقدام على امتحان الإمام عليهالسلام فهو ـ على حد تعبيره ـ أفقه وأعلم وأفضل من أن يطلب تعجيز شخص ، والذي نراه ـ حسب التحقيق العلمي ـ أنّه لا مانع من إقدام يحيى على ذلك بعد ما طلب منه العباسيون ، ومنّوه بالأموال ، وقد كان القضاء في العصر العباسي أداة بيد السلطة ، فكانوا يسايرون رغبة الخلفاء ويقضون ويفتون على حسب ميولهم ، وكان ممّا رواه المؤرّخون في ذلك ، إنّ هارون الرشيد قد شغف بجارية لأبيه المهدي ، كان قد دخل بها فامتنعت عليه ، وقالت له : ( لا أصلح لك إنّ أباك قد طاف بي .. ).
فلم يمتنع عنها وازداد شغفه وغرامه بها ، فأرسل خلف القاضي أبي يوسف فقال له : ( أعندك شيء في هذا .. ).
فأفتى أبو يوسف بما وافق هوى هارون وخالف كتاب الله وسنّة نبيّه قائلاً : ( يا أمير المؤمنين أوَ كلمّا ادّعت أمَة شيئاً ينبغي أن تصدّق لا تصدّقها ، فإنّها ليست بمأمونة .. ).
وقد خالف بفتواه ما حكم به الإسلام صراحة من أنّ النساء مصدقات على فروجهن ، وعلّق ابن المبارك على هذه الفتوى بقوله :
( لم أدرِ ممّن أعجب من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم لا يتحرّج عن حرمة أبيه ، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين ، أو
__________________
١ ـ منهاج السنّة : ج ٢ ص ١٢٧ ـ ١٢٨.