به ، ويفتك بحياته ، وعلينا أن نتحدّث ـ بإيجاز ـ عن الأسباب التي دعته إلى اقتراف هذه الجريمة وهي :
١ ـ الحسد :
وأترعت نفس المأمون بالحسد للإمام الرضا عليهالسلام وكان سبب ذلك ما ظهر للناس من فضل الإمام وعلمه ، وقد روى المؤرّخون أنّ المأمون أوعز إلى علماء الأقطار الإسلامية بالقدوم إلى خراسان لامتحان الإمام ، وقد خاضوا معه مختلف المسائل الفلسفية والكلامية والبحوث الطبّية وغيرها ، وقد خرجوا من عنده وهم يقولون بإمامته ويذيعون فضله وينشرون معارفه ، ولما استبان للمأمون ذلك أوعز إلى محمد بن عمرو الطوسي بطرد الناس عن مجلس الإمام (١) وقد كشف النقاب عن هذه الجهة أبو الصلت الهروي عندما سأله أحمد بن عليّ الأنصاري فقال له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبّته له وما جعل له من ولاية العهد؟ فأجابه أبو الصلت :
( إنّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله ، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنّه راغب في الدنيا ، فيسقط محلّه من نفوسهم فلمّا لم يظهر منه ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ، ومحلاً في نفوسهم ، جلب عليه المتكلّمين من البلدان طمعاً في أن يقطعه واحد فيسقط محلّه عند العلماء ، ويشتهر نقصه عند العامّة ، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ، ولا خصم من فوق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجّة ، وكان الناس يقولون : والله أنّه أولى بالخلافة من المأمون ، وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتدّ حسده (٢).
__________________
١ ـ عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٧٢.
٢ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ج ٢ ص ٢٣٩.