وأمّا الأوّل فمن المعلوم أنّ الغالب فيه كونه أضعاف الكرّ ، فلا يمنع اغتسال الجنب فيه من جواز الاغتسال منه أو فيه باتّفاق النصّ والفتوى ، كما عرفته فيما تقدّم ، وقد عرفت أنّ غاية ما يستفاد من بعض الأخبار كراهته.
وأمّا الثاني فليس المتعارف بين الناس إلّا الاغتسال حول الحياض لا فيها ، والرشحات التي تنتضح فيها حال الغسل لو لم توجب نجاستها غير مضرّة قطعا ، للصحيحة الآتية وغيرها من الأدلّة.
هذا ، مع أنّ المتعارف إنّما هو وقوع الاغتسال حال الاتّصال بالمادّة ، ولا بأس به حينئذ قطعا ، فإنّه بمنزلة الجاري وماء النهر يطهّر بعضه بعضا.
وفي مرسلة الواسطي ، قال : سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني ولا الجنب من غير الجنب ، قال : «يغتسل منه ولا يغتسل من ماء آخر فإنّه طهور» (١).
والذي يظهر لي أنّ مناط النهي في الصحيحة إنّما هو وجود الجنب بالفعل في الحمّام واشتغاله بالاغتسال ، وذلك لأجل اشتمال بدنه على النجاسة الموجبة لتنجيس من يجتمع معه حول الحوض الصغير الذي كان أخذ الماء منه متعارفا في تلك الأزمنة ، فيتعذّر حصول الغسل الصحيح أو يتعسّر ، ولذا أمره بالاغتسال من ماء آخر ليتيسّر تحصيل القطع بحصول الغسل الصحيح الخالي عن الشبهة منه فيه دون ماء الحمّام ، وكيف لا مع أنّه لو كان مناط النهي كونه مستعملا في غسل الجنابة لكان اللازم إناطة
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٧٨ ـ ١١٧١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.