وفيه ـ بعد منع الحقيقة الشرعية في القليل ـ : أنّها مطلقة قابلة للتقييد ، خصوصا بعد ملاحظة أنّ أغلب المياه التي ينتهي إليه في الطريق إمّا ذو مادّة ، أو مياه الغدران التي قلّما تكون أقلّ من كرّ ، فتسميتها قليلا ربما تكون بالإضافة إلى المياه التي يمكن الارتماس فيها.
وإن أبيت إلّا عن ظهورها في الماء القليل الذي لم يبلغ الكرّ ، فلا بدّ من طرحها ، لقصورها عن مكافئة الأخبار المتقدّمة التي لا يضرّها خصوصية المورد في أكثرها بعد عدم القول بالفصل.
هذا ، مع أنّ الأمر بالتوضّؤ مع غسل الجنابة ممّا يقرّب حملها على التقية كما في الوسائل (١).
اللهم إلّا أن يراد به معناها اللغوي وهو التنظيف ، وأمره به لكونه مقدّمة للغسل.
هذا ، ولكن الإنصاف ظهور الحسنة في إرادة الماء القليل وحكومتها على أدلّة الانفعال ، فإنّه لو كان موردها الكرّ ، لم يكن هذا ممّا قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) بل كان ممّا ورد فيه :«إنّ الماء إذا كان كرّا لا ينجّسه شيء» فالرواية بمدلولها اللفظي تدلّ على أنّ موردها ممّا كان من شأنه الانفعال ووجوب التحرّز عنه ، ولكنه رفع عنه هذا الحكم لمكان الضرورة والحرج ، فهي حاكمة على الأدلّة المطلقة الدالّة على الانفعال ، ومقتضاها التفصيل بين حالتي الاختيار والضرورة ،
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، ذيل الحديث ٥.