وقد أشرنا في محلّه أنّ وجوب التحيّض بعد انقضاء العادة وإن كان موافقاً للأصل لكن أخبار الاستظهار ناطقة بعدم كون الأمر بترك العبادة من هذه الجهة ، بل من جهة كونه احتياطاً ، وكون مراعاة احتمال الحيض أرجح بنظر الشارع من احتمال النقاء وكون الدم استحاضةً ، ولو لا الحرمة الذاتيّة بحيث يدور الأمر بين المحذورين ، لكان الواجب في مقام الاحتياط الاعتناء باحتمال كونه استحاضةً ، كما لا يخفى.
ومنها : صحيحة خلف بن حمّاد ، المتقدّمة (١) ، الواردة في من اشتبه حيضها بدم العذرة ؛ فإنّ قول الإمام عليهالسلام بعد أن سأله السائل عن حكمها : «فلتتّق الله تعالى فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق الله تعالى ولتتوضّأ ولتصلّ» كالصريح في كون الأمر دائراً بين المحذورين ، وأنّ المورد ممّا لا يمكن فيه الاحتياط ، ولذا أشكل الأمر على السائل وقال : كيف لهم أن يعلموا أيّما هو حتى يفعلوا ذلك ، الحديث.
ويستشمّ من تعبير الإمام عليهالسلام كونه تعريضاً على فقهاء العامّة مثل أبي حنيفة ونظرائه حيث أمروها بعد أن سألتهم بالاحتياط ، وقالوا : هذا شيء قد أُشكل ، والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضّأ وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض ، فإن كان دم الحيض ، لم تضرّها الصلاة ، وإن كان دم العذرة ، كانت قد أدّت الفريضة. ومن الواضح أنّه لو لم تكن الصلاة محرّمةً عليها ذاتاً ، لكان الاحتياط في محلّه ، ولم يتوجّه عليهم التعريض.
__________________
(١) في ص ١٠.