تراه المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام وكذا ما تراه بعد النفاس استحاضةً إذا كان بأوصافها ، كما هو ظاهر ، وإنّما الفقهاء يحكمون بذلك ؛ لما ثبت عندهم من أنّ المرأة في جميع هذه الحالات بمنزلة المستحاضة ، فعمّموا موضوعها بحيث صارت الاستحاضة لديهم حقيقةً في المعنى الأعمّ ، ومن المعلوم أنّ إطلاقات الشارع لا تنزّل على هذا المعنى الأعمّ الحادث في عرف الفقهاء ، فتعميم حكم المستحاضة بحيث يعمّ هذه الموارد يحتاج إلى دليلٍ تعبّدي غير الأدلّة المسوقة لبيان حكم الاستحاضة أو موضوعها ، فالمتّبع إنّما هو مقدار دلالة ذلك الدليل ، ففي جملة من الأخبار أنّه إذا استمرّ دم النفاس ، فهي بمنزلة المستحاضة مطلقاً من دون تفصيلٍ بين ما لو كان الدم أسود أو أصفر ، فلو كان لنا بالنسبة إلى سائر الموارد أيضاً مثل هذا الدليل ، نقول به ، وإلّا فلا من دون أن يكون لأوصاف الدم مدخليّة في ذلك. وكأنّ منشأ الاستدلال بهذه الروايات لنفي كون ما ليس بأوصاف الاستحاضة استحاضةً هو الخلط بين المعنى الاصطلاحي واللغوي الذي عليه تنزّل الأخبار.
ثمّ لو سلّم إرادة هذا المعنى من الاستحاضة في تلك الأخبار ، أو قيل : إنّ الاستحاضة وإن استُعملت فيها في مفهومها اللغوي لكن يفهم من سياقها أنّ موضوع الأحكام نفس دم الاستحاضة من حيث هو ، فالأوصاف إنّما هي أوصاف لذلك الدم ، سواء سمّي بالاستحاضة أم لا ، فهو غير مُجْدٍ فيما ادّعاه المستدلّ ، بل ربما يشهد على ما يقوله المشهور ؛ لما فيها من التصريح بأنّه إنّما تعوّل على الأوصاف مَنْ لا تعرف أيّامها ، وأمّا مَنْ عرفت أيّامها فسنّتها الرجوع إلى أيّامها من غير اعتناء بأوصاف الدم ،