والحاصل : أنّه لا يمكن ارتكاب التخصيص في مثل هذه الموثّقة التي لها بنفسها قوّة ظهور في العموم ، ومضمونها بعمومه من القواعد المسلّمة بين الأصحاب ، إلّا بنصّ صحيح صريح غير قابل للطرح أو التأويل من حيث السند والدلالة ، لا بمثل هذه الظواهر التي يكون ارتكاب التأويل فيها بحملها على الكراهة من أهون التصرّفات.
ويشهد له أيضا ـ مضافا إلى ذلك ـ خبر زرارة ، المتقدّم (١) المصرّح بالكراهة ، بناء على ظهوره في إرادة الكراهة بمعناها الأخصّ ، كما ليس بالبعيد.
ويدلّ عليه أيضا : رواية أبي الأعزّ (٢) النخّاس ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّي أعالج الدوابّ فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه ، قال : «ليس عليك شيء» (٣) ورواية المعلّى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور ، قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام ، فأخبرناه ، فقال : «ليس عليكم بأس» (٤) فإنّ مقتضى الجمع بينهما وبين أخبار النجاسة ارتكاب التأويل في تلك الأخبار ، كما هو واضح.
لكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط في غير موارد الضرورة والحرج ، والله العالم.
__________________
(١) في ص ٣٢٧.
(٢) في الوسائل : «أبي الأغرّ».
(٣) الكافي ٣ : ٥٨ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٢.
(٤) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥١ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٤ بتفاوت في بعض الألفاظ في التهذيب فقط.