ولعمري إنّ الذي يوقع النفس في الوسوسة ويمنعها من رفع اليد عن مثل هذه القاعدة بالأخبار المعتبرة ليس إلّا موافقتها للاحتياط ، وإلّا فقاعدة طهارة الأشياء ومطهّريّة الماء ـ مثلا ـ أثبت في الشريعة وأوضح مستندا من نفس هذه القاعدة ، فضلا عن عمومها ، ولم يزل يرفع اليد عن مثل هذه القواعد بالأخبار البالغة أوّل مرتبة الحجّيّة.
وأمّا القواعد التي يشكل رفع اليد عنها إلّا بنصّ صحيح صريح معتضد بالفتوى ونحوها فهي : القواعد الكلّيّة المعروفة مناطاتها ، المعتضدة بالعقل والاعتبار ، مثل : قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله ، لا مثل قاعدة الانفعال ، التي عمدة المستند لعمومها الإجماع ونحوه من الأدلّة اللّبّيّة التي غاية ما يمكن استفادته منها على وجه يستدلّ به في الموارد الخلافيّة كون نفس القاعدة ـ التي انعقد عليها الإجماع وارتكزت في أذهان المتشرّعة ـ كمتن رواية قطعيّة قابلة للتخصيص ، فلا ينبغي الاستشكال في الطهارة.
لكن ينبغي الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على لبن المأكول ، لكونه القدر المتيقّن الذي لا يبعد دعوى انصراف إطلاق الفتاوى والنصوص إليه ، وإن كان القول بطهارته مطلقا لا يخلو عن قوّة ، كغيره ممّا تقدّم من الأجزاء التي لا تحلّه الحياة ، فإنّها طاهرة من كلّ حيوان حلّ أكله أم حرم (إلّا أن تكون عينه نجسة ، كالكلب والخنزير والكافر) فإنّها بجميع أجزائها نجسة (على الأظهر) سواء كانت متّصلة بجملتها أو منفصلة عنها عند حياتها أو بعد موتها ، لما أشرنا إليه ـ عند البحث عن نجاسة أجزاء الميتة ـ من أنّ معروض النجاسة ـ على ما يتبادر عرفا من