الحياة الظلمات ، ونور الإيمان هذا إنّما هو لطف من عند الله (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
ولفهم عمق هذا المثال لا بدّ من الاهتمام بمعنى كلمة «اللجّيّ» وهو البحر الواسع والعميق. وبالأصل مشتقّة من «اللجاج» بمعنى متابعة عمل ما (التي تطلق عادة على الأعمال غير الصحيحة) ثمّ أطلقت على تتابع أمواج البحر واستقرارها الواحدة بعد الأخرى ، ولقد استخدمت هذه الكلمة بهذا المعنى لأنّ البحر كلّما كان عميقا وواسعا تزداد أمواجه.
ولو تصوّرتم بحرا هائجا عميقا ، ومع علمنا أنّ نور الشمس أقوى أنواع النور ، لكنّه لا ينفذ إلّا بمقدار معيّن في البحر ، وآخر حدود نفوذه في العمق لا يتجاوز سبعمائة متر ، حيث يسود الظلام الدائم أعماق البحار والمحيطات.
كما نعلم أنّ الماء إذا كان هادئا يعكس النور بشكل أفضل ، بينما تكسر أمواج البحر أشعة الشمس ، ولا تسمح لها بالنفوذ إلى العمق إلّا بمقدار أقل. وإذا أضفنا إلى ذلك مسألة مرور سحاب داكن اللون فوق هذا البحر الهائج ، فإنّ الظلام يزداد عتمة وسوادا بشكل كبير (١).
إن الظلام في عمق البحر من جهة ، وظلمة الأمواج الهائجة من جهة أخرى ، وظلمة الغيوم السوداء من جهة ثالثة ، ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض.
وفي مثل هذا الظلام لا يمكن رؤية أيّ شيء ، مهما اقترب منّا ، حتّى لو وضع الإنسان الشيء نصب عينيه لما استطاع مشاهدته.
وهكذا حال الكفار الذين حرموا من نور الإيمان فابتلوا بهذه الظلمات ، خلافا للمؤمنين الذين نوّر الله قلوبهم وطريقهم وهم مصداق (نُورٌ عَلى نُورٍ).
وقال بعض المفسّرين : إنّ هذه الظلمات ثلاثة أقسام ، قد ابتلي غير المؤمنين
__________________
(١) يجب الانتباه إلى أن «السحاب» يعني كما جاء من «لسان العرب» الغيوم الممطرة ، وعادة تكون السحب المتراكمة أكثر عتمة.