صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّلا بالافتراء والكذب ، خاصّة وأنّهم قد استخدموا لفظة «هذا» ليحقروا القرآن.
ثمّ من أجل أن يثبتوا أنّه غير قادر على الإتيان بمثل هذا الكلام ـ لأنّ الإتيان بمثل هذا الكلام المبين مهما يكن بحاجة إلى قدرة علمية وافرة ، وما كانوا يريدون التسليم بهذا ـ ومن أجل أن يقولوا أيضا : إنّ هذا خطّة مدبرة ومحسوبة ، قالوا : إنّه لم يكن وحده في هذا العمل ، بل أعانه قوم آخرون ، وهذه مؤامرة بالتأكيد ، ويجب الوقوف بوجهها.
بعض المفسّرين قالوا : إنّ المقصود بـ (قَوْمٌ آخَرُونَ) جماعة من اليهود.
وقال آخرون : إنّ المقصود بذلك ثلاثة نفر كانوا من أهل الكتاب ، وهم : «عداس» و «يسار» و «حبر» أو «جبر».
على أية حال ـ بما أنّ هذه المواضيع لم يكن لها وجود في أوساط مشركي مكّة ، وإنّ قسما منها مثل قصص الأنبياء الأولين كان عند اليهود وأهل الكتاب ـ فقد كان المشركون مضطرين الى نسبة هذه المطالب الى أهل الكتاب كي يخمدوا موجة إعجاب الناس من سماع هذه الآيات.
لكن القرآن يردّ عليهم في جملة واحدة فقط ، تلك هي : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً). (١) «الظلم» هنا لأنّ رجلا أمينا طاهرا وصادقا مثل الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّهموه بالكذب والافتراء على الله ، وبالاشتراك مع جماعة من أهل الكتاب. فظلموا أنفسهم والناس أيضا.
و «الزور» هنا أن قولهم لم يكن له أساس مطلقا ، لأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعاهم عدّة مرات إلى الإتيان بسورة وآيات مثل القرآن ، فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي.
__________________
(١) «جاؤا» من مادة «مجيء» : يراد بها عادة معنى «القدوم» ، لكنّها وردت هنا بمعنى «الإتيان» ، كما نقرأ أيضا في الآية (٨١) سورة يونس أن موسى عليهالسلام قال للسحرة «ما جئتم به السحر».