الآية حكمين آخرين : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
فهنا لا يقع مثل هؤلاء الأشخاص تحت طائلة العقاب الفيزيقي الشديد فحسب ، بل إنّ كلامهم وشهادتهم يسقطان عن الإعتبار أيضا ، لكيلا يتمكنوا من التلاعب بسمعة الآخرين وتلويث شرفهم في المستقبل ، مضافا إلى أن وصمة الفسق تكتب على جبينهم فيفتضح أمرهم في المجتمع. وذلك لمنعهم من تلويث سمعة الطاهرين.
وهذا التشديد في الحكم المشرّع لحفظ الشرف والطهارة ، ليس خاصا بهذه المسألة ، ففي كثير من التعاليم الإسلامية نراه ماثلا أمامنا للأهمية البالغة التي يمنحها الإسلام لشرف المرأة والرجل المؤمن الطاهر.
وجاء في حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء» (١).
ولكنّ المولى العزيز الحكيم سبحانه وتعالى لا يسدّ باب رحمته في وجه التائبين ، الذين تابوا من ذنوبهم وطهّروا أنفسهم ، وندموا على ما فرّطوا ، وسعوا في تعويض ما فاتهم من البرّ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقد اختلف المفسّرون في كون هذا الاستثناء يعود إلى جملة (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أو إلى جملة (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) ، فإذا كان الاستثناء عائدا إلى الجملتين معا ، فمعنى ذلك قبول شهادتهم بعد التوبة وإزالته الحكم بفسقهم. أمّا إذا كان عائدا إلى الجملة الأخيرة ، فإن الحكم عليهم بالفسق سيزول عنهم في جميع الأحكام الإسلامية ، إلّا أن شهادتهم تظل باطلة لا تقبل منهم حتى آخر أعمارهم.
إلّا أن المبادئ المعمول بها في «أصول الفقه» تقول : «إن الاستثناء الوارد
__________________
(١) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، صفحة ٢٦٩ ، باب التهمة وسوء الظن.