ففي الإجابة : (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ).
فليس فقط أنّنا لم ندعهم إلى أنفسنا ، بل إنّنا كنّا نعترف بولايتك وربوبيتك ، ولم نقبل غيرك معبودا لنا ولغيرنا.
وكان سبب انحراف أولئك هو : أنّ الله تعالى رزقهم الكثير من مواهب الدنيا ونعيمها فتمتعوا هم وآباءهم وبدلا من شكر الله تعالى غرقوا في هذه الملذات ونسوا ذكر الله : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) ولهذا هلكوا واندثروا (وَكانُوا قَوْماً بُوراً).
هنا يوجه الله تبارك وتعالى الخطاب إلى المشركين فيقول : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ).
لأنّ الأمر هكذا ، وكنتم أنتم قد أضللتم أنفسكم فليس لديكم القدرة على دفع العذاب عنكم : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً ، وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً).
لا شك أنّ «الظلم» له مفهوم واسع ، ومع أنّ موضوع البحث في الآية هو «الشرك» الذي هو أحد المصاديق الجلية للظلم ، إلّا أنّه لا يقدح بعمومية المفهوم.
والملفت للنظر أن «من يظلم» جاءت بصيغة الفعل المضارع ، وهذا يدل على أن القسم الأوّل من البحث وأن كان مرتبطا بمناقشات البعث ، لكن الجملة الأخيرة خطاب لهم في الدنيا ، لعل قلوب المشركين تصبح مستعدة للتقبل على أثر سماعها (محاورات العابدين والمعبودين في القيامة) ، فيحول الخطاب من القيامة إلى الدنيا فيقول لهم : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً). (١)
* * *
__________________
(١) ويحتمل أن تكون الجملة الأخيرة استمرارا لمحاورة الله مع المشركين في القيامة ، ولا يضرّ كون الفعل مضارعا ، لأنّ جملة (من يظلم ..) ذكرت بصورة قانون عام (جملة شرطية) ، ونعلم أنّ الأفعال في الجملة الشرطية تفقد مفهومها الزماني ، وتبقى وحدة الارتباط بين الشرط وجوابه معتبرة.