وجعلوها ممنوعة الورود ، وعند ما يقال «حجر إسماعيل» فلأن حائطا أنشئ حوله فحجز داخله. يقولون للعقل أيضا «حجرا» لأنّه يمنع الإنسان من الأعمال المخالفة. لذا نقرأ في الآية (٥) من سورة الفجر (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) ، وأيضا «اصحاب الحجر» الذين ورد اسمهم في القرآن (الآية ٨٠ من سورة الحجر) وهم قوم صالح الذين كانوا ينحتون لأنفسهم بيوتا حجرية محكمة في قلوب الجبال ، فكانوا يعيشون في أمانها.
هذا في ما يخص كلمة «حجر».
أمّا جملة «حجرا محجورا» فقد كانت اصطلاحا بين العرب ، إذا التقوا بشخص يخافونه ، فأنّهم يقولون هذه الجملة أمامه لأخذ الأمان.
كان هذا عرف العرب ، خاصّة في الأشهر الحرم ، حيث كانت الحرب ممنوعة ، فحينما يواجه شخص آخر ، ويحتمل خرق هذا العرف والتعرض للأذى ، فإنّه يكرر هذه الجملة ، والطرف المقابل ـ أيضا ـ مع سماعة لها كان يعطيه الأمان ، فيخرجه من القلق والاضطراب والخوف.
على هذا فإنّ معنى الجملة المذكورة هو : «أريد الأمان ، الأمان الذي لا رجعة فيه ولا تغيير». (١)
اتّضح ممّا قلناه أعلاه ، أنّ المجرمين هنا هم أصحاب هذا القول ، وتناسب الأفعال الموجودة في الآية ، والسير التاريخي ، وسابقة هذه الجملة في أوساط العرب ـ أيضا ـ يستدعي هذا ، ولكن البعض احتمل أنّ الملائكة هم أصحاب هذا القول ، وهدفهم منع المشركين من رحمة الله.
وقال آخرون : إنّ أصحاب هذا القول هم المجرمون ، يقولونه بعضهم لبعض ، ولكن الظاهر هو المعنى الأول ، حيث اختاره كثير من المفسّرين ، أو ذكروه كأوّل
__________________
(١) ومن الناحية الأدبية فإنّ «حجرا» مفعول لفعل مقدر و «محجورا» جاءت للتوكيد ، فهي في الأصل (أطلب منك منعا لا سبيل إلى رفعه ودفعه).