(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً). (١)
قول الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا ، وشكواه هذه ، مستمران إلى هذا اليوم من فئة عظيمة من المسلمين ، يشكو بين يدي الله أنّهم دفنوا القرآن بيد النسيان ، القرآن الذي هو رمز الحياة ووسيلة النجاة ، القرآن الذي هو سبب الإنتصار والحركة والترقي ، القرآن الممتلئ ببرامج الحياة ، هجروا هذا القرآن فمدّوا يد الاستجداء إلى الآخرين ، حتى في القوانين المدنية والجزائية.
إلى الآن ، لو تأملنا في وضع كثير من البلدان الإسلامية ، خصوصا أولئك الذين يعيشون تحت هيمنة الشرق والغرب الثقافية ، لوجدنا أنّ القرآن بينهم كتاب للمراسم والتشريفات ، يذيعون ألفاظه وحدها بأصوات عذبة عبر محطات البث ، ويستخدمونه في زخرفة المساجد بعنوان الفن المعماري ، ولافتتاح منزل جديد ، أو لحفظ مسافر ، وشفاء مريض ، وعلى الأكثر للتلاوة من أجل الثواب.
ويستدلون بالقرآن ، أحيانا وغايتهم إثبات أحكامهم المسبّقة الخاطئة من خلال الاستعانة بالآيات ، وبالاستفادة من المنهج المنحرف في التّفسير بالرأي.
في بعض البلدان الإسلامية ، هناك مدارس في طول البلاد وعرضها بعنوان : مدارس «تحفيظ القرآن» وفريق عظيم من الأولاد والبنات مشغولون بحفظ القرآن ، في الوقت الذي تؤخذ أفكارهم عن الغرب حينا ، وعن الشرق حينا آخر ، وتؤخذ قوانينهم وقراراتهم من الأجانب ، أمّا القرآن فغطاء لمخالفاتهم فقط.
نعم ، اليوم أيضا يصرخ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً). مهجورا من ناحية لبّه ومحتواه ، متروكا من ناحية الفكر والتأمل ،
__________________
(١) الظاهر أن جملة «قال» فعل ماض ، تدل على أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد ذكر هذا القول على سبيل الشكوى في هذه الدنيا ، وأكثر المفسّرين أيضا على هذا الإعتقاد ، لكن بعضا آخر مثل «العلامة الطباطبائي» في «الميزان» يعتقدون أن هذا القول مرتبط بيوم القيامة ، والفعل الماضي هنا بمعنى المضارع. وذكر العلامة الطبرسي في مجمع البيان أيضا هذا على سبيل الاحتمال ، لكن الآية التي بعدها ، والتي فيها جنبة مواساة للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دليل على أن التّفسير المشهور هو الأصح.