وحدك لك عدوّ ، بل لقد جعلنا لكل نبي عدوّا ، ولازم هذا القول إسناد وجود أعداء الأنبياء إلى الله تعالى ، الأمر الذي لا يتفق مع حكمته ولا مع أصل حرية وإرادة الإنسان. ذكر المفسّرون أجوبة متعددة على هذا السؤال ...
قلنا مرارا أن جميع أعمال الإنسان منسوبة إلى الله ، لأنّ جميع متعلقاتنا ، قدرتنا ، قوانا ، عقلنا وفكرنا ، وحتى حريتنا واختيارنا أيضا من عنده ، وعلى هذا فمن الممكن من هذه الناحية نسبة وجود الأعداء للأنبياء إلى الله ، دون أن يستلزم ذلك الجبر وسلب الإختيار ، ولا يرد خدش في مسئوليتهم إزاء أعمالهم (فتأمل)! مضافا إلى أن وجود هؤلاء الأعداء الأشداء ومخالفتهم للأنبياء ، يكون سببا في أن يصبح المؤمنون أقوى في عملهم ، وأثبت قدما ، فيتحقق الامتحان الإلهي بالنسبة إلى الجميع.
هذه الآية في الحقيقة مثل الآية (١١٢) من سورة الأنعام حيث تقول : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).
أمام الأزاهير تنمو الأشواك ، وفي قبال المحسنين يوجد المسيئون ، دون أن تنتفي مسئولية أي واحد من هاتين المجموعتين.
وقال البعض : إنّ المقصود من «جعلنا» هي أوامر ونواهي ومناهج الأنبياء البناءة التي تجر بعض الضالين إلى العداوة ، شاؤوا أم أبوا.
وإذا أسند ذلك إلى الله فلأن الأوامر والنواهي من جهته عزوجل.
التّفسير الآخر : أن هنالك فئة يطبع الله على قلوبهم ويعمي أبصارهم ويصم أسماعهم بسبب الإصرار على الذنب والإفراط في التعصب واللجاجة ، هذه الفئة يصبحون أعداء الأنبياء في نهاية المطاف ، أمّا أسباب ذلك فهي بما قدموا لأنفسهم.
ولا منافاة بين هذه التفاسير الثلاثة ، فمن الممكن أن تجتمع كلها في مفهوم الآية.