الآية التالية إجابة على سؤالهم حيث كانوا يقولون : «وما الرحمن» ، وإن كانوا يقولون هذا على سبيل السخرية ، لكن القرآن يجيبهم إجابة جادة ، يقول تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً).
«البروج» جمع «برج» في الأصل بمعنى «الظهور» ولذا يسمون ذلك القسم الأعلى والأظهر من جدار أطراف المدينة أو محل تجمع الفرقة العسكرية «برج» ، ولهذا أيضا يقال حينما تظهر المرأة زينتها «تبرجت المرأة» ، وهذه الكلمة تطلق أيضا على القصور العالية.
على أية حال ، فالبروج السماوية ، إشارة إلى الصور الفلكية الخاصّة حيث تستقر الشمس والقمر في كل فصل وكل موضع من السنة إزاء واحد منها ، يقولون مثلا : استقرت الشمس في برج «الحمل» يعني أنّها تكون بمحاذاة «الصورة الفلكية» ، «الحمل» ، أو القمر في «العقرب» يعني وقفت كرة القمر أمام الصورة الفلكية «العقرب» (تطلق الصورة الفلكية على مجموعة من النجوم لها شكل خاص في نظر المشاهد).
بهذا الترتيب ، أشارت الآية إلى منازل الشمس والقمر السماوية ، وتضيف على أثر ذلك : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (١).
تبيّن هذه الآية النظم الدقيق لسير الشمس والقمر في السماء (وبديهي أن هذه التغييرات في الحقيقة ترتبط بدوران الأرض حول الشمس دائما). والنظام الفذ الدقيق الذي يحكمهما ملايين السنين بلا زيادة أو نقصان ، بالشكل الذي يستطيع الفلكيون ـ أحيانا ـ أن يتنبئوا. قبل مئات السنين بوضع حركة الشمس والقمر في يوم معين وساعة معينة بالنسبة إلى مئات السنين الآتية ، هذا النظام الحاكم على هذه الأفلاك السماوية العظيمة شاهد ناطق على وجود الخالق المدبر
__________________
(١) طبقا للتفسير أعلاه ، فإنّ ضمير «فيها» يرجع إلى البروج ، وينبغي أن يكون هكذا ، ذلك لأنّ الموضوع المهم هو دوران الشمس والقمر ضمن نظام خاص في البروج : وليس وجود البروج في السماء فقط.